15
وهكذا يري بسمارك نفسه في عمله الرسمي مستبدا رصينا، وبسمارك في الأمور الأخرى يبدو جامعا بين المحافظة على المواعيد والمجاملة الشخصية ، وبسمارك لما ليس لديه صبر ولا وقت لتقاس عليه ثيابه كان يجب على خياطه أن يصنع ذلك بعينيه، فإذا لم تكلل هذه الطريقة بالنجاح أخذ الخياط المسكين مثل الكتاب الآتي: «سبق أن خطت ثيابا ملائمة لي، ولكنك فقدت هذه العادة مع الأسف مفترضا أنني صرت، مع تقدمي في السن، أنحف مما كنت عليه وأقصر غافلا عن أن هذا لا يقع إلا نادرا، وما أرسلت إلي منذ سنة 1870 من ثياب فلا يناسبني لبسه، وما كنت أنتظر من محل حسن الإدارة كمحلك أن يكون قليل الانتباه إلى التاريخ الطبيعي للبدن الإنساني.» وأسلوب مؤنب كهذا هو الذي كان يستعمله تجاه من هم دونه إذا ما اضطر إلى التعزير.
وتبلغ عزته ذروتها إزاء نظرائه، ولا مراء في عدم احتماله زملاءه، فيعاملهم بأسوأ مما يعامل به مستشاريه الصميمين الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم أمامه، ويصف كثير من الوزراء ما فيه من «ترفع ممتنع»، ويقولون إنه يعدهم مساعدين عاديين، ومما كتبه وزير البحرية فون ستوش: «إنه يأذن لي في الجلوس، ويدقق في عملي كما يدقق أحد معلمي المدرسة في فرض تلميذ بليد عنيد، وهو ينتهرني كلما حاولت إبداء أقل اعتراض فلا يسعني سوى السكوت والتسليم.» وهكذا يخسر الرجل في نصف ساعة احترام بسمارك إلى الأبد، ويسيء بسمارك معاملة أولنبرغ على غير حق، فيحتج هذا الوزير على ذلك بشدة فيحمل بسمارك العنيف على كتابة الكلمة الآتية، وهي: «استنبطت من كتابكم أنه أسيء إليكم بخطأ أرى طلب الصفح عنه، وإن كنت سببه غير المباشر.» فيتناقل آل المرسل إليه هذا الكتاب جيلا بعد جيل، وهنالك وزراء آخرون ارتقوا إلى مناصبهم بفضل صلاتهم الودية ببسمارك، فلا يعتمون أن يفقدوا هذه الصداقة فيفقدوا مناصبهم تلك، وهم بعد قصير وقت من تعيينهم يأخذون منه كتبا خاصة جارحة وكتبا رسمية مبكتة، فلا يتمالكون أن يغدوا أعداء أشداء لصديقهم القديم بسمارك، فبسمارك ينتظر شكر الناس له، وهو لا يحمد أحدا.
ومن النادر أن يبدي بسمارك لإنسان شكرانا، وهو إذا ما فعل ذلك على قلة لم يشق له غبار، ومن ذلك ما وقع بعد حرب سنة 1870؛ أي بعدما تم النصر على فرنسة، فقد كان بسمارك ممتطيا صهوة جواده بين مولتكه ورون، ووراء الإمبراطور، في أثناء عرض عسكري تحت باب براندبرغ، فأبصر موظفي وزارته فوق منصة خاصة، فأمسك أحد الأكاليل الثلاثة المعلقة بقربوس
16
سرجه، ورمى به إلى مساعديه أولئك.
الفصل التاسع
في مساء من شتاء سنة 1860 كان الرئيس وشلوزر وكروا والشاب هولشتاين ومعلم الأولاد جالسين حول الموقد بسفارة بطرسبرغ، وكان الحديث يدور حول خلود الروح، ويحاول هولشتاين أن يثبت أن الخلود المضمون الوحيد هو ما يترك من صيت، وهنالك يتناول بسمارك كأسه الموضوعة على الموقد، ويقول: «دعني أذكر لك شيئا يا فون هولشتاين، دعني أذكر لك أن هذا القدح من رحيق مدوك هو أفضل عندي من ثلاثين صفحة من التاريخ العام لبيكر!»
وازدراء بسمارك بالصيت الذي سخر منه في أيام طلبه وفي أيام مشيبه هو من أبرز صفاته، وهو على ما يحتمل أظهر فارق يمتاز به من نابليون الذي كان يبقى غير ذي خطر لو لم يعجب بأبطال بلوتارك
1
Bog aan la aqoon