268

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Noocyada

ويطالب بسمارك جميع مستشاريه بالإيجاز إذا ما تكلموا وبالبساطة إذا ما كتبوا، ولم يكن بسمارك ملولا عند رجل مثل تيدمان أو بوشر قادر على الكلام بصرامة وعلى العمل من أول الليل إلى آخره، وليبتعد عن الحنو في الحديث وعن الحشو في الكتابة، ويضع بسمارك قاعدة لذلك في قوله الذهبي: «كلما كانت العبارة بسيطة عظم تأثيرها.» ويقول بسمارك أيضا: «مهما كان الأمر معقدا أمكن حل عقده بكلمات قليلة»، وعلى من يعمل تحت إمرته أن يكون قادرا في عشر دقائق على إعطاء تقرير عن مشروع قانون شامل لأكثر من مائة فقرة «اقتضى إعدادها عدة ساعات»، وإذا أراد الإلمام بمسألة اقتصادية وجد بيانها في خمس صفحات أمرا مطولا.

وهو يحتمل المناقضة هادئا، وهو يعرف قيمتها بعد الصدمة الأولى، وعلينا أن ندرك طبيعة هذا الرجل المؤلف من أعصاب والذي قد من «حديد»، والذي إذا ما هيج برم حاجبيه الكثيفين كما يبرم الرجل شاربيه الطويلين، وفي مثل تلك الأيام تجد بين وثائق محفظة تيدمان واحدة خاصة بأمر بسيط معد، «فإذا ما دخلت الغرفة فوجدته ينظر من النافذة متألما زاويا ما بين عينيه تكلمت في الحال عن أمر غير مهم فقال لي على العموم: يمكنك أن تسوي الأمر كما تراه مناسبا، وهل لديك أمر آخر؟» وينصرف تيدمان، ويكون الرئيس بسمارك طيب المزاج في الغد، ويستمع للتقارير ساعات كثيرة صابرا.

وكان بسمارك ينام إلى ساعة متأخرة من الصباح، فلا يبدأ العمل في مكتبه حتى الظهر، ثم يجد عاملا من الساعة الثانية عشرة إلى الساعة السادسة، ثم من الساعة التاسعة إلى ما بعد منتصف الليل. وبسمارك من هذه الناحية من ذوي الطبائع المسائية، وبسمارك يود لذلك تأخر جلسات البرلمان كما هو الأمر في إنكلترة، «ففي المساء يكون الإنسان أطيب حالا وأحسن كلاما وأكثر تساهلا، وفي الصباح يكون مزاج الإنسان من نوع آخر، فهو ينتظر من الآخرين قولا عن أمر لكي يهاجم».

ولكنه إذا كان نشيطا مسرورا طالب مرءوسيه بالمستحيل، شأن ذوي الأمزجة العصبية؛ وذلك كأن يرسموا مشروعا عظيما في ساعة واحدة، وذلك على أن يزعج الكاتب عشر مرات في أثناء تلك الساعة، «ويجب على خدم المستشارية أن يركضوا دوما، ويجب أن ينجز كل عمل بسرعة مضاعفة، ولا تقاوم أقوى الأعصاب ذلك»، ويقول تيدمان في الوقت نفسه: «لم يبد عنيفا نحوي في أي وقت كان، ولا أذكر أنه كلمني مرة بلهجة غير التي تكون بين النبلاء، وهو في ذلك أكثر مجاملة وأعظم لطفا من الوزراء الآخرين، ومن الحق أن على الناس ألا يستنفدوا صبره وألا يستفزوه، وكان المرءوسون وكبار الموظفين يخشون الرئيس كثيرا، فقد كان يؤنبهم بشدة لأتفه خطأ، وكانوا يرتجفون أمام جوبيتر

12

الراجس».

13

ويصغي بسمارك إلى التقارير التي تقدم إليه نصف مضطجع على متكأ في غرفة عمله الكبرى المنارة بمصباح فضي طويل، فيصدر قراره في الأمر من فوره، ولم يذكر تيدمان أن بسمارك تردد في هذا الشأن ولو مرة واحدة في ست سنوات، وكان بسمارك إذا ما أملى يذرع الغرفة صاعدا نازلا فيتدفق كلامه كما لو كان يخطب الناس من فوق المنبر، وهو وإن كان يقف طويلا أحيانا لا يلبث القول أن ينبثق منه، وهو وإن كان يملل في الغالب تعبيرين مترادفين يفعل هذا لاختيار أحدهما فيما بعد، «وبما أنه كان لا يطيق مقاطعته لما تؤدي إليه من قطع سلسلة كلامه فقد كانت متابعته صعبة إلى الغاية، ومما حدث حوالي نهاية سنة 1877 أن أملى علي تقريرا ليعرض على الإمبراطور مصورا فيه نشوء أحزابنا السياسي منذ إعلان الدستور، وقد دام الإملاء خمس ساعات بلا توقف، وقد كان يتكلم بما هو أسرع من عادته فكنت أجد أعظم مشقة في قيد جميع ما ينطق به، وقد اشتدت حرارة الغرفة فخشيت الشنج

14

فأعملت ذهني بسرعة وخلعت سترتي وداومت على الكتابة مشمرا عن ساعد الجد، وينظر الأمير بسمارك إلي حائرا في بدء الأمر، ثم يومئ إيماء المدرك للسبب من غير أن يقطع ما يملي، ويتم الإملاء فأنقل ذلك بخط جميل فيقع ذلك في مائة وخمسين صفحة من القطع الكامل، فأقضي العجب من عدم وجود أي عيب فيما قيدت، وهو تحليل دقيق عاطل من التكرار خال من الاستطراد».

Bog aan la aqoon