إنهم لا يصحبونها إلى بيت العريس، ولا يحضرون حفلة الزفاف لئلا يظن أنه لا يسعها الاستغناء أو أنها تحتاج إلى مساعدتهم.
ترافق العروس قريبة بعيدة النسب ورجل فقير يمسك بزمام الجواد؛ وذلك لأنه لا يجوز مطلقا أن تقطع العروس الفسحة التي تفصل بين بيتها ومسكنها الزوجي مشيا على الأقدام، وإن لم يكن يفصل بين كليهما سوى زقاق واحد. يجب أن تقوم بهذه الرحلة ممتطية جوادها فلا تنزل عنه إلا عند وصولها أمام منزل العريس. والذي يمسك برسن فرسها يرتدي عادة عباءة أو جبة - وهما ضربان من ثياب هذه البلاد. وهذا الرجل يسرح حالا بعد أن يأكل أكلا عنيفا.
أما إذا كانت العائلة لا تملك جوادا أو فرسا فإنه يصعب عليها أن تقترض أو تكتري فرسا من القرية؛ لأن من خرافات الجبل أن المطية التي تنقل العروس تلاقي حتفها في بحر السنة نفسها؛ ولهذا يضطرون إلى التفتيش عن فرس في أمكنة بعيدة جدا، بعد إخفاء سبب احتياجهم إليها.
أما أنا فكنت موقنا - إذا ما وجدت عرضا في الجبل - من أنهم سيطلبون جيادي لدى كل حفلة زفاف في الضواحي، وكنت أقرضها بسرعة مدهشة لأفهم الذين ينعتونني بالتهور وقلة التبصر أنها كانت تزداد نشاطا وعافية.
يتألف موكب العروس من عدد غفير من سكان قرية العريس. وهؤلاء - بعد أن يرتدوا أجمل ملابسهم - يبدءون بالأغاني وتصعيد هتافات الفرح، ثم يتبعونها بطلقات نارية. إنهم يتوقفون من وقت إلى آخر ليغنوا دفعة واحدة، أو ليرقصوا، ثم لا تلبث أن تدوي الأهازيج، والصراخات الحادة، والهتافات للحكام والأقارب والأصدقاء.
تصطحب العروس صندوقا يضم ثيابها وفراشها ولحافها. والعريس لا يحلق ذقنه أو يرتدي ثيابه إلا بعد وصول عروسه، أما الإشبين وأصدقاء العريس فينتهزون بدورهم هذه الفرصة ليحلقوا هم أيضا، زاعمين أن في ذلك فألا مليحا.
وعندما يصل الموكب، يفتش العريس في المكان الذي تتوجه إليه العروس عن نقطة مرتفعة ويقف عليها ليقال إنه نزل حتى وصل إليها؛ أي إنه أسمى منها.
وقبل أن تدخل العروس بيت عريسها تلصق على عتبة باب البيت خميرة وترمي رمانة أو رمانات. وهذه العادة ضرب من التفاؤل في حياة الزوجين ومصيرهما.
وغداة اليوم التالي يقوم العريس بزيارة أهل العروس، بعد أن تكون قد تقدمته الهدية. بيد أنه يتحتم عليه أن يعود في المساء إلى منزله، فلا يبيت عندهم تلك الليلة. إن أقارب العروس يأتون جميعهم في النهار الثامن ويصطحبون هدية (نقوط) تراوح قيمتها بين العشرين والماية قرش تهدى إلى العروس خاصة، ويمكنها أن تتصرف بها على هواها. والعريس يقوم بتقديم مثل هذه القيمة عند زفاف أحد أخوة العروس. وأخيرا تقام وليمة عائلية يجتمع فيها جميع الأنسباء، وهذه الوليمة هي نهاية حفلات العرس.
أما الفلاحون فقد تعودوا أن يعينوا - لدى موافقتهم على زفاف ابنتهم - مبلغا من المال هو ثمن العروس كما لو كانت صفقة تجارية. وهذا المبلغ يراوح بين المائتين والخمسماية قرش ويسمى «نقدا». إن هذا المبلغ مقدس، وعند موت الزوج يباع جميع ما يملكه - إذا اقتضت الحال - ليدفع كاملا. وهذا النقد هو الذي يمكن الأرامل من التزوج ثانية.
Bog aan la aqoon