فأقسمت لها أن حبي أعظم وأقوى من حبها، وتعهدت لها أن أرفض بعد كل دعوة من زوجها أو غيره على أنها وقفت بغتة، وقالت: إن قلبي يخافك ويتوقع غدرك، ولا يزال فيه أحقاد عليك تحول سروري إلى كدر فلندع ذكرها الآن لغد؛ فعل غيوم الأحزان تكون انقشعت وزالت من قلبي فأستودعك الله ... موعدنا غدا.
وبعد أن قبلتني قبلة الوداع، جلست إلى النار أفكر في الأخطار التي تتهددني، وفيما كان حب ريتا يهيئه لمستقبلي من الأخطار والأسواء ... ثم ذكرت الغادة التي تركتها حزينة كيلا أغضب ريتا، وفوات تلك الفرصة العزيزة، وأسفت أسفا شديدا؛ لكون هذا النهار الذي ابتدأ متبسما انتهى معبسا.
الفصل الثامن
عظم شأني في بيت فركنباك، وصرت كواحد منهم فالبارون يقول إنه يحبني أكثر من امرأته، وإنه لا يستطيع أن يفارقني دقيقة، وهذه تقول إنها تحبني، وإنها تموت إذا فارقتها.
وقد قال لي فركنباك أكثر من مرة: إنك يا مكسيم ألطف كل سكان الأرض وأذكاهم، وإنك عنقاء مغرب، وما أراه فيك من حب المفاخر، وشرف النفس والثبات، يكبرك في عيني، وأؤمل أن تبقى على اجتهادك في الشغل لأرقيك وأزيد راتبك.
كنت أجد صعوبة وتكلفا في إظهار الحب لفركنباك، وكثيرا ما كان يخطر لي أن أعاديه؛ لأنه زوج حبيبتي وأغار عليها منه كأنه غريب، ولكن ذلك ما عتم أن تبدد واضمحل، كما يضمحل الجليد من حرارة الشمس، وعدت لما كنت عليه من رقة الأخلاق وملاطفة فركنباك وممازحتي إياه.
وفي بعض الأيام ذبذب حاجبيه وضحك مني ضحكة معنوية وقال: أتعلم يا مكسيم أنك ماكر خداع؟ فذهلت وتولاني الخوف، وقلت بلسان متقلقل: لماذا؟ فقال: وعدتني مرة أن تنام مع حبيبتك كوكو، وقد اشتكتك هذه إلى جوزيفا، وقالت إنك تركتها وذهبت إلى غيرها، وعليه فأنا أحتم عليك أن تذهب إليها اليوم.
فوعدته بذلك وقلت في نفسي: لا بارك الله بمثل هذا السؤال، كم هاج فكري.
ونحو الساعة الخامسة انتهى الشغل، فأخذت الطريق إلى بيتنا، حيث ريتا بانتظاري، وكانت العادة عندها أن تضع لي علامة تنبئني بمجيئها أو بعدمه، وكانت علامة مجيئها ورقة زرقاء، وعدم العلامة كان علامة تغيبها، وكانت ريتا بانتظاري وراء الباب، حتى إذا دخلت تهافتت علي وقبلتني، وقالت: يا حبيبي، منذ قرن لم أرك فأين كنت وكيف أنت؟ ثم أخذت تهيل الحديث علي هيلا، وتسرد لي أقاصيص لم تستطع أن تسردها لي أمام زوجها، ونوادر لطيفة غريبة، فبرؤيتها كنت أرى ما لا يرى من أحوال الحب وغرائب المتحابين، بل كنت أرى صنم الحب مرفوعا ونحن من حوله ركع وسجود. •••
بعد أيام من ذلك أخذت أخلاق ريتا تتغير بسرعة غريبة، وانقلب حلمها إلى غضب، وأضحت صغائر الأمور تكفي لإثارة غضبها، وشكت ألما في الرحم وتعبا في الجسم، وكراهية عامة لجميع الأشياء، فعرض فركنباك عليها دعوة الطبيب فرفضت متعللة بأن ذلك عرض جزئي لا يهتم به.
Bog aan la aqoon