قال أبو سعيد: معي أنه يخرج في قول أصحابنا أن المسافر عن وطنه إلى حيث يجب عليه القصر على حكم السفر، وصلى السفر لا غاية لذلك من قولهم إلى أن يجمع مقاما لا غاية له أو يتخذ الموضع دارا ووطنا، ثم هنالك يرجع إلى التمام بمعنى اتخاذ الوطن، وبمعنى الإقامة الذي يجب بها التمام، ولا أعلم من قولهم يخرج أحد ما قيل، وحكي من هذه الأقاويل إذا كان للمرء ببلد يتخذه وطنا ومقيما فيه، فسافر عنه سفرا يجب فيه القصر.
مسألة: -ومن كتاب الضياء- وقال جابر في الدين يخرجون سفرا في تجارة لهم فيقيمون الخمس السنين والعشر أنهم في سفر، وعليهم أن يصلوا قصرا.
ومن كتاب الأشراف: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة في حجة الوداع فقصر الصلاة، وأجمعوا على أن من سافر مثل هذه المسافة أن يقصر الصلاة، إذا كان خروجه فيما تقدم معناه، واختلفوا فيمن سافر هذه المسافة، فقال مالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق يقولون: من سافر مسير أربعة برد فله أن يقصر الصلاة، واحتجوا بأخبار رويت عن عمر وابن عباس في هذا الباب، وقالت طائفة: يقصر الصلاة في سفرة يومين، ولم يذكر الأميال، هذا قول الحسن البصري والزهري. وفيه قول ثالث: وهو أن يقصر الصلاة في مسيرة يوم تام، ثبت أن ابن عمر كان يقصر الصلاة إذا خرج إلى أرض يسير إلى أذربيجان، وهي ثلاثون ميلا، وروي عن ابن عباس أنه قال: يقصر فيما دون ذلك. وفيه قول رابع: من /59/ سافر ثلاثا قصر، وري هذا القول عن ابن مسعود، وبه قال الثوري والنعمان وابن الحسين، وقال النعمان: ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام، وكان الأوزاعي يقول: قصر الصلاة فيما بينه وبين خمسة فراسخ، فذلك خمس عشرة ميلا. وكان قبيصة بن ذويب وهاني بن كلثوم وعبد الله بن محريز يقصرون الصلاة فيما بين الرملة وبيت المقدس. وقال الأوزاعي: وعامة العلماء يقولون مسيرة يوم تام، وبهذا نأخذ.
Bogga 62