لم يكتف هارون بالمكاسب التي كانت تدرها عليه عقوده مع مكتب عبد المجيد زين الدين، فتاقت نفسه إلى مكاسب أعظم، حتى وإن ضحى بمن كان سببا في هذا الغنى الذي بلغه؛ فراح يغدق المال على رفعت فواز سكرتير عبد المجيد زين الدين، وقد كان مثله شرها للمال. وفي يوم: - قل لي يا رفعت. - تحت أمرك يا هارون بك. - لو طلبت منك شيئا؟ - لا أتأخر. - أسماء الشركات التي يتعامل معها عبد المجيد زين الدين في الخارج. - آه، وماذا تصنع بها؟ - مجرد علم. - هارون بك أنت رجل ذكي، فأرجوك لا تظن أن الآخرين أغبياء. - أعطيك عن اسم كل شركة خمسمائة جنيه. - ألف. - ألف.
وعرف الأسماء وعناوينها، وسافر إليها، واستطاع في سهولة أن يغري الشركات بالتعاقد معه على أن يكون وكيلها في مصر وفي الشرق الأوسط كله، وقد كان واثقا من نجاح عروضه؛ لأن الأسعار التي قدمها كان فيها للشركة أرباح أكبر مما يحققه لها عبد المجيد زين الدين.
ولم يهم هارون أنه قطع مورد الرزق الوحيد الذي كان يعيش عليه عبد المجيد زين الدين، ولم يهمه أيضا أن الحياة سترغمه على لقائه؛ فعند المال كل شيء مباح، وكل شيء يهون.
كان لقاؤه بعبد المجيد زين الدين في المقهى مع سعدون. ولم يقل عبد المجيد شيئا أول الأمر، حتى إذا شرب كأسه الثالثة وسرت حمياه في دمائه.
نظر إلى سعدون: سعدون. - أفندم؟ - أهنئك. - خير إن شاء الله. - لقد زوجت ابنتك الكبرى لأسفل رجل في العالم. - أعوذ بالله لماذا هذا؟
وقال هارون: لا عليك يا عمي؛ فإن الخسارة مؤلمة.
فقال سعدون: هل تسببت في خسارته؟
وقال عبد المجيد: خسارة هينة. خرب بيتي تماما.
وقال سعدون: لا حول ولا قوة إلا بالله! لماذا يا هارون؟ لماذا يا ابني أنت غير محتاج.
وقال هارون في تحد وصلافة وجمود وجه: السوق لا يعرف إلا من يفهمه.
Bog aan la aqoon