فإذا جمعنا بين الآيتين؛ تبين لنا يقينا أصل عظيم وهو أن الذي شرع الغاية لم ينس الوسيلة، فكما أن حفظ القرآن غاية شرعها الله، كذلك جمعه وسيلة بينها الله، فكان على عهد النبوة مكتوبا في الصحف التي هي العسب واللخاف وكذلك صدور الرجال، فلما رأى الصحابة أن القتل استحر بالقراء يوم اليمامة؛ لجؤوا إلى الوسائل الأخرى التي كان القرآن مكتوبا فيها، فجمعوها، وكان ذلك إيذانا من الله بتحقيق جمع القرآن وحفظه.
ثالثا: إن اتفاق الصحابة وقع على جمع القرآن وذلك إجماع منهم وهو حجة بلا ريب كيف وهم القوم لا يجتمعون على ضلالة؟!
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : { لا تجتمع أمتي على ضلالة } رواه الترمذي .
رابعا: إن حاصل ما فعله الصحابة وسائل لحفظ أمر ضروري، أو دفع ضرر اختلاف المسلمين في القرآن، والأمر الأول من باب "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، والأمر الثاني من باب "درء المفاسد، وسد الذرائع" وهي قواعد أصولية مستنبطة من الكتاب والسنة) (¬1) .
(فإن قيل: فلماذا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قلت: لوجود المانع، وهو أن القرآن كان يتنزل عليه طيلة حياته، وقد ينسخ الله سبحانه منه ما يريد، فلما انتفى المانع؛ فعله الصحابة رضوان الله عليهم باتفاق) (¬2) .
و"ما رأى المسلمون حسنا؛ فهو عند الله حسن ".
الشبهة السابعة: استدلالهم بما جاء عن غضيف بن الحارث رضي الله عنه أنه قال:
"بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال: يا أبا أسماء إنا قد جمعنا الناس على أمرين، قلت: وما هما؟
قال: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر.
فقال: أما انهما أمثل بدعكم عندي، ولست مجيبك إلى شيء منهما.
قال: لم؟
Bogga 38