Badda Culum
بحر العلوم
إلى عرفات فيقف بها. وروي عن النبيّ ﷺ أنه قال: «إن الله تَعَالَى يُبَاهِي مَلائِكَتَهُ بِأَهْلِ عَرَفَات وَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلى عبادي جاءوا مِنْ كُلِّ فَجَ عَمِيقٍ شُعْثًا غُبْرًا. اشْهَدُوا، أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ» .
ثم قال تعالى: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ، أي فرغتم من أمر حجكم فَاذْكُرُوا اللَّهَ باللسان كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ في ذلك الموقف أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا يقول: أو أكثر ذكرًا، وذلك أن العرب كانوا إذا فرغوا من حجهم، وقفوا بين المسجد الذي بمنى وبين الجبل، ثم ذكر كل واحد منهم أباه بما كان يعلم منه من الخير ثم يتفرقون، قال الله تعالى: فَاذْكُرُونِي بالخير كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ بالخير، فإن ذلك الخير مني. وقال عطاء بن أبي رباح: قوله: كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ هو كقول الصبي: أبه أبه، يعني أن الصبي إذا كان أول ما يتكلم فإن أكثر قوله: أب أب. ويقال فاذكروا الله كذكركم آباءكم لأبيكم آدم، لأنه لا أب له، بل أشد ذكرًا، لأني خلقته من غير أب ولا أم وخلقتكم من الآباء والأمهات.
ثم قال تعالى: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا، وهم المشركون كانوا يقولون إذا وقفوا: اللهم ارزقنا إبلًا وبقرًا وغنمًا وعبيدًا وإماءً وأموالًا، ولم يكونوا يسألون لأنفسهم التوبة ولا المغفرة، فأنزل الله تعالى: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا. وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ، أي من نصيب. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً قال ابن عباس: يعني الشهادة والمغفرة والغنيمة وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، أي الجنة. وقال القتبي:
الحسنة النعمة كقوله: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ [التوبة: ٥٠]، أي نعمة. وقال الحسن البصري: آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً، أي العلم والعبادة وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، أي الجنة قال الإمام: حسنة الدنيا، ثوابك، وقوت من الحلال يكفيك، وزوجة صالحة ترضيك، وعلم إلى الحق يهديك، وعمل صالح ينجيك. وأما حسنة الآخرة فإرضاء الخصومات، وعفو السيئات، وقبول الطاعات والنجاة من الدركات، والفوز بالدرجات وَقِنا عَذابَ النَّارِ، أي ادفع عنا عذاب النار.
أُولئِكَ، يعني المؤمنين الذين يدعون بهذا الدعاء لَهُمْ نَصِيبٌ، أي حظ مِمَّا كَسَبُوا من حجهم. ويقال: لهم ثواب مما عملوا. وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلًا كان على عهد رسول الله ﷺ قال: اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة، فعجِّله لي في الدنيا فأضني الرجل في مرضه حتى نحل جسمه، فأخبر بذلك رسول الله ﷺ فأتاه فأخبره بأنه كان يدعو بكذا وكذا، فقال النبيّ ﷺ: «يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ بِعُقُوبَةِ الله تَعَالَى ولكن قل:
رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ. فدعا بها الرجل فبرأ.
ثم قال: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ قال الكلبي: إذا حاسب فحسابه سريع. ويقال: والله سريع الحفظ. وقال الضحاك: يعني لا يخالطه العباد فِي الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولا يشغله ذلك.
1 / 134