يقيم الرِّجال الأغنياء بأرضهم ... وترمي النَّوى بالمقترين المراميا
فأكرم أخاك الدَّهر ما دمتما معًا ... كفى بالممات فرقةً وتنائيا
وقال الراجز:
إنَّ فراخًا كفراخ الأوكر ... بأرض بغداد وراء الأجسر
تركتهم كبيرهم كالأصغر ... عجزًا عن الحيلة والتَّشمر
ذكرى لديهم مثل طعم السُّكَّر ... ووجدهم بي مثل وجد الأعور
بعينه إذ ذهبت لم يبصر
التشمر: الاكتساب، شمرت لأهلي: أي اكتسبت لهم، وتشَّمر الشجر إذا أورق.
قال أبو الفتح البستيّ:
لئن تنقَّلت من دارٍ إلى دارٍ ... وصرت بعد ثواءٍ رهن أسفار
فالحرُّ حرٌ عزيز النَّفس حيث ثوى ... والشَّمس في كلِّ برج ذات أنوار
وقال غيره:
كفى حزنًا أنِّي مقيمٌ ببلدةٍ ... وأنت بأخرى ما إليك سبيل
خرج الشافعي الفقيه ﵁ في بعض أسفاره، فضمَّه الليل إلى مسجدٍ، فبات فيه، وإذا في المسجد قوم عوامّ يتحدثون بضروب من الخنا وهجر المنطق، فتمثل:
وأنزلني طول النَّوى دار غربةٍ ... إذا شئت لاقيت امرءًا لا أشاكله
قال شريك: كان يقال: إن أنجى النَّاس من البلايا والفتن، من انتقل من بلدٍ إلى بلد.
قيل لبعضهم:أيُّ سفرٍ أطول؟ فقال: من كان في طلب صاحبٍ يرضاه، أودرهم حلالٍ يكسبه.
قال حاتم الطَّائي:
إذا لزم النَّاس البيوت وجدتهم ... عماةً عن الأخبار خرق المكاسب
قال محمد بن أبي حازم الباهلي:
كم المقام وكم تعتافك العلل ... ما ضاقت الأرض في الدُّنيا ولا السُّبل
فارحل فإنّ بلاد الله ما خلقت ... إلا ليسلك منها السَّهل والجبل
إن ضاق لي بلدٌ يّممت لي بلدًا ... وإن نبا منزلٌ بي، كان لي بدل
وإن تغيَّر لي عن ودِّه رجلٌ ... أصفى المودَّة لي من بعده رجل
لم يقطع الله لي من صاحب أملا ... إلاّ تجدَّد لي من صاحبٍ أمل
الله قد عوَّد الحسنى فما برحت ... منه لنا نعمٌ تترى وتتَّصل
يمسي ويصبح بي عمرٌ أدافعه ... برزق ربِّي حتى ينفد الأجل
وقال بعض المتأخرين من المغاربة، وتنسب إلى المتنبي، ولا تصح له:
رأيت المقام على الإقتصاد ... قنوعًا به ذلَّةً للعباد
وعجزٌ بذي أدبٍ أن يضيق ... به عيشه وسع هذي البلاد
وماغرب الرِّزق عن رائدٍ ... ولا سيما حسن الإرتياد
إذا ما الأديب ارتضى بالخمول ... فلاحظَّ في الأدب المستفاد
وفي الإضطراب وفي الإغتراب ... منال المنى وبلوغ المراد
وشرُّ الضَّراغم ضرغامةٌ ... طوى شبله وهو في الغيل هاد
وإن صارمٌ قرَّ في غمده ... حوى غيره الفضل يوم الجلاد
ولو يستوي بالنُّهوض القعود ... لما ذكر الله فضل الجهاد
إذا النَّار ضاق بها زندها ... ففسحتها في فراق الزِّناد
فدع موطنًا واغد مسترزقًا ... كذا الرِّزق غادٍ إلى كلِّ غاد
ولا تفن عمرك خوف الفراق ... لبيضٍ ملاح وسمرٍ خراد
يطلن البكا عند شحط النَّوى ... ويأسين كلَّ الأسى في البعاد
فكم ترحةٍ من أسى فرقةٍ ... تعود سرورًا بحسن المعاد
إلى كم تحمَّل ضيق المعاش ... وتصبر والصَّبر صعب القياد
على حالةٍ فوتها خيرها ... وضيق المعيشة سقم الفؤاد
بلا حاسدٍ لي ولا حامدٍ ... قليلة خيرٍ كماء الثِّماد
فلا شرَّ منِّي يخاف العدو ... ولا خير يرجوه أهل الوداد
جب الأرض شرقًا وجب غربها ... إلى كلِّ فجٍ عميقٍ وواد
عساك تنال الغنى أو تموت ... وعذرك في ذاك للنَّاس باد
فإن يكن الفقر حتمًا عليك ... فكابده في غير ناديك ناد
1 / 48