ليس الفتى بفتىً لا يستضاء به ... ولا يكون له في الأرض آثار
وقال آخر:
سل الله الإياب من المغيب ... فكم قد ردَّ مثلك من غريب
سلِّ الهمَّ عنك بحسن ظنٍ ... ولا تيأس من الفرج القريب
قال بعض العقلاء: أعرف بيتًا قد بيّت أكثر من مائة ألف رجل في المساجد، وفي غير أوطانهم، وهو:
فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تمش ذا يسارٍ أو تموت فتعذرا
قال خالد بن صفوان: في السفر ثلاثة معان: الأول الغرم، الثاني القدرة، والثالث الرحيل.
كان يقال: فقد الأحبة غربة.
قال الشاعر:
إذا مامضى القرن الَّذي أنت فيهم ... وخلِّفت في قرنٍ فأنت غريب
وقال لبيد بن ربيعة:
لعمرك مايدريك إلاَّ تظنِّيًا ... إذا رحل السُّفار من هو راجع
لعمرك ماتدري الطَّوارق بالحصى ... ولا زاجرات الطَّير ما الله صانع
وقال علي بن الجهم:
يارحمتا للغريب في البلدالنَّا ... زح ماذا بنفسه صنعا
فارق أحبابه فما انتفعوا ... بالعيش من بعده ولا انتفعا
يقول في نأيه وغربته ... عدلٌ من الله كلُّ ما صنعا
أراد أعرابي السفر فقال لامرأته - وقيل إنه الحطيئة -:
عدِّي الِّسنين لغيبتي وتصبَّري ... وذري الشُّهور فإنَّهنَّ قصار
فأجابته:
اذكر صبابتنا إليك وشوقنا ... وارحم بناتك إنَّهنَّ صغار
فأقام وترك سفره.
قال امرؤ القيس:
وقد طوَّفت في الآفاق حتَّى ... رضيت من الغنيمة بالإياب
وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
طربت إلى الأصيبية الصِّغار ... وهاجك منهم قرب المزار
وكلُّ مسافرٍ يزداد شوقًا ... إذا دنت الدِّيار من الدِّيار
وقال جرير:
ولما التقى الحيَّان ألقيت العصا ... ومات الهوى لما أصببت مقاتله
وقال آخر:
سررت بجعفرٍ والقرب منه ... كما سرَّ المسافر بالإياب
وكنت بقربه إذ حلَّ أرضى ... أميرًا بالسَّكينة والصَّواب
كممطورٍ ببلدته فأضحى ... غنيًّا عن مطالبة السَّحاب
وقال آخر، وحكى صاحب البيان أنه لمضرَّس الأسدي:
مقلٌ رأى الإفلال عارًا فلم يزل ... يجوب بلاد الله حتَّى تموَّلا
إذا جاب أرضًا أو ظلامًا رمت به ... مهامه أخرى عيسه متقلقلا
ولم يثنه عمَّا أراد مهابةٌ ... ولكن مضى قدمًا وما كان مبسلا
فلمَّا أفاد المال جاد بفضله ... لمن جاءه يرجو نداه مؤمِّلا
وقال آخر، وهو الأحمر بن سالم المزني:
فألقت عصاها واستقرّ بها النَّوى ... كماقرَّعينًا بالإياب المسافر
وقال آخر:
إذا نحن أبنا سالمين بأنفسٍ ... كرامٍ رجت أمرًا فخاب رجاؤها
فأنفسنا خير الغنيمة إنَّها ... تؤوب وفيها ماؤها وحياؤها
وقال آخر:
رجعنا سالمين كما بدأنا ... وما خابت غنيمة سالمينا
وماتدرين أيُّ الأمر خيرٌ ... أما تهوين أم ما تكرهينا
قال عوف بن محلِّم: عادلت عبد الله بن طاهر إلى خراسان، فدخلنا الرُّيّ في السحر فإذا قمرية تغرد على فنن شجرة، فقال عبد الله: أحسن والله أبو كبير في قوله:
ألاياحمام الأيك إلفك حاضرٌ ... وغصنك ميَّادٌ ففيم تنوح
ثم قال: يا عوف أجزها. فقلت: شيخ كبير، وحملت على البديهة، وهي معارضة أبي كبير، ثم انفتح لي شيء، فقلت:
أفي كلِّ عامٍ غربةٌ ونزوح ... أما للنَّوى من ونيةٍ فتريح
لقد طلح البين المشتُّ ركائبي ... فهل أرينَّ البين وهو طليح
وأرَّقني بالرَّيِّ نوح حمامةٍ ... فنحت وذو الشَّجو القريح ينوح
على أنَّها ناحت ولم تذر عبرةً ... ونحت وأسراب الدُّموع سفوح
وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامه فيح
وذكر تمام الخبر.
كان يقال: من لم يرزق ببلدة فليتحوّل إلى أخرى.
1 / 46