وقد روي عن النبيّ ﷺ، أنه قال: لأبي أيّوب الأنصاريّ - وقد نزع عنه أذّى -: " نزع الله عنك ما تكره يا أبا أيّوب ".
قال عمر بن الخطّاب: فحسب المرء من العيّ أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه أن يجد على النّاس فيما تأتيه، وأن يظهر له من النّاس ما يخفى عليه من نفسه.
وعن عمر ﵁ قال: إن مما يصفّي وداد أخيك، أن تبدأه بالسّلام إذا لقيته، وأن تدعوه بأحبّ الأسماء إليه، وأن توسّع له في المجلس.
قال أيّوب الأنصاريّ: من أراد أن يكثر علمه، فليجالس غير عشيرته.
روى سفيان بن عيينة، عن مالك بن معن، قال: قال عيسى ﷺ: جالسوا من تذكركم بالله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغّبكم في الآخرة عمله.
قال المدائني: أوصى يحيى بن خالد ابنه، فقال: يا بنيّ إذا حدّثك جليسك حديثًا، فأقبل عليه وأصغ إليه، ولا تقل قد سمعته وإن كنت أحفظ له، وكأنك لم تسمعه إلاّ منه، فإنّ ذلك يكسبك المحبة والميل إليك.
وعن عبد الملك بن عمير، قال: قال سعيد بن العاص: لجليسي عليّ ثلاث خصال: إذا دنا رحّبت به، وإذا جلس وسّعت له وإذا حدث أقبلت عليه.
وذكر ابن مقسم، قال: سمعت المبرِّد يقول: الاستماع بالعين، فإذا رأيت عين من تحدّثه ناظرةً إليك فاعلم أنه يحسن الاستماع. وقد روينا هذا القول عن سهل بن عبادة.
ومن حديث جابر عن النبيّ ﵇، أنّه قال: " من كان له أخٌ في الله فأكرمه فإنما يكرم الله ".
وروينا عن ثعلب النحوي، أنّه قام لصديق قصده، وأنشده:
لئن قمت ما في ذاك منها غضاضةٌ ... عليّ وإنّي للكرام مذلّل
على أنّها منّي لغيرك هحنةً ... ولكنّها بيني وبينك تجمل
ولغيره في هذا المعنى:
إذا ما تبدّى لنا طالعًا ... حللنا الحبا وابتدرنا القياما
فلا تنكرنّ قيامي إليه ... فإنّ الكريم يجلُّ الكراما
وروينا من حديث عائشة، عن النبيّ ﷺ، أنّه قال: " أنزلوا النّاس منازلهم ". قال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: إذا الرجل عند رجلٍ جالسًا، فجاءه طالب حاجةٍ، فسكت عن عونه فقد أعان عليه.
قال عمرو بن العاص: لا أملُّ جليسي ما فهم عنّي، وإنما الملال لدناءة الرّجال. قال: الشّعبيّ في قومٍ ذكرهم: ما رأيت مثلهم أشدّ تنابذًا في مجلس، ولا أحسن فهمًا من محدِّث.
روى الأصمعيّ عن العلاء بن جرير عن أبيه، قال: قال الأحنف بن قيس: لو جلس إليّ مائةٌ لأحببت أن ألتمس رضى كلّ واحدٍ منهم.
وقال عبد الله بن عبّاس: أعز الناس عليّ جليسي الذي يتخطّى النّاس إليّ، أما والله إنّ الذّباب يقع عليه فيشقّ عليّ.قال كشاجم:
؟ وجليسٍ لي أخي ثقةٍ ... كأن حديثه خبره
يسرّك حسن ظاهره ... وتحمد منه محتضره
ويستر عيب صاحبه ... ويستر أنّه ستره
وقال آخر:
جليسٌ لي له أدب ... رعاية مثله تجب
لو انتقدت خلائقه ... لبهرج عندها الذّهب
وعن ابن عبّاس، أنه قال: إنّي لأكره أن يطأ الرجل بساطي ثلاثًا فلا يرى عليه أثرى.
وعنه أيضًا ﵁، أنه سئل: من أكرم الناس عليك؟ قال: جليسي حتّى يفارقني.
قال معاوية لعرابة الأوسي: بأيّ شيءٍ استحققت أن يقول فيك الشّماّخ:
رأيت عرابة الأوسيّ يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما رايةٌ رفعت لمجدٍ ... تلقاّها عرابة باليمين
فقال: عرابة: سماع هذا من غيري أولى بك وبي يا أمير المؤمنين، فقال: عزمت عليك لتخبرنّي. فقال: بإكرامي جليسي، ومحاماتي على صديقي.
فقال معاوية: لقد استحققت.
قال عليّ بن الحسين: ما جلس إليّ أحدٌ قط، إلاّ عرفت له فضله حتى يقوم. قال أبو عبادة: ما جلس رجل بين يديّ، إلا مثّل لي أني جالس بين يديه. روى عن عبد الله بن يزيد، وقد روى ذلك لأبي حازم، أنه قال: وطّن نفسك على الجليس السوء، فإنه لا يكاد يخطئك. وقد روى ذلك عن الأحنف، والله أعلم قال بعض الحكماء: رجلان ظالمان يأخذان غير حقّهما، رجلٌ وسّع له في مجلس ضيّق فتربّع وتفتح، ورجلٌ أهديت إليه نصيحةٌ فجعلها ذنبًا.
1 / 3