Bilowga Khayaalka
بدائع الخيال
Noocyada
فقال القيصر: «إذن خبرني أيها الجد، أين كان حقلك الذي كنت تزرع فيه هذا القمح؟»
فأجاب الشيخ: «كان حقلي أرض الله الواسعة؛ فحيث أحرث أزرع، وحيث زرعت أحصد، وما كان لإنسان حقل يدعي ملكيته، كانت الأرض مباحة للجميع، ولا يملك الإنسان سوى عمله وكسب يده.»
فقال القيصر: «أجبني إذن عن سؤالين آخرين: أولهما: لماذا نما مثل هذه القمحة في ذلك العهد، ولم ينم في هذا الزمن؟ وثانيهما: لماذا جاءني حفيدك يتوكأ على هراوتين، وأبوه على هراوة واحدة، وأنت جئت بلا هراوة، براق الثغر، ثابت الجأش، متلألئ العين، فصيح اللسان؟! فما السر في كل ذلك؟!» فأجاب الشيخ العجوز: «السر في ذلك أن الناس أصبحوا لا يعولون في حياتهم على العمل بأنفسهم، وإنما جنحوا إلى الاتكال والتطفل على عمل سواهم، كان الناس في زماننا يعيشون تحت ظلال شريعة الله، فكان أحدهم لا يحتكم إلا بما تجنيه يداه، ويربأ بنفسه أن يغتصب ما جناه غيره.»
الحكاية التاسعة
ثمن باهظ
يوجد على سواحل البحر الأبيض المتوسط، بين حدود الجمهورية الفرنساوية والمملكة الإيطالية - حكومة صغيرة تسمى (موناكو)، يكاد عدد سكانها يقل عن أصغر المدن في أوروبا؛ حيث لا يزيد السكان فيها عن سبعة آلاف نسمة، لو قسمت عليهم أرض المملكة جميعها لما أصاب أحدهم فدانا واحدا.
ويحكم هذه الحكومة الصغيرة ملك مستقل يتوج كما يتوج باقي الملوك، وله قصر وبلاط وحاشية ووزراء، بل وله أسقف وقواد وأيام للاحتفالات الرسمية واستعراض الجند ومجالس ومحاكم وقوانين ونظامات وجيش يبلغ عدده ستين جنديا، وفي هذه المملكة الصغيرة ضرائب كما توجد في البلاد الأخرى، تجبى من التبغ والنبيذ والمشروبات الروحية، وضريبة أخرى على الأفراد، غير أنه وإن كان الناس يدخنون ويتعاطون المسكرات كما يفعل الناس في البلاد الأخرى - إلا أن ما يتوفر من هاتين الضريبتين قليل يكاد لا يكفي للمحافظة على أبهة الملك ومظاهره ولإعاشة الحاشية والموظفين؛ ولذلك لم ير الملك في تلك البلاد مندوحة من أن يفكر في إيجاد ضريبة جديدة مبتكرة تدر عليه بالأموال الوفيرة، وهذه الضريبة تأتي من بيت للقمار يلعب فيه الناس اللعب المعروف بالروليت، فالناس تلعب وسواء أخسروا أم كسبوا فلصاحب الدار جزء معلوم من الداخل والخارج، ومن هذا الجزء يستوفي الملك مبلغا كبيرا من المال.
والسبب في حصوله على الجزء الأوفى أن دار القمار الموجودة في مملكته هي التي بقيت في جميع أوروبا، وقد كان بعض صغار الملوك من الألمان أباحوا تأسيس دور من هذا النوع في بلادهم كانت سببا في ويلات على الناس والإنسانية، ورأى أهالي ألمانيا أنه كثيرا ما يفد الرجل إلى دار من هذه الدور؛ ليختبر حظه فيقامر بكل ما يملكه من المال، حتى إذا ما خسر اقترض وقامر بأموال غيره ففقدها أيضا، إلى أن يدب اليأس في نفسه فينزع إلى الانتحار؛ ولذلك ثاروا في وجوه ملوكهم، ووقفوا بينهم وبين اكتساب المال بهذه الطريقة الممقوتة، أما ملك موناكو فلم يعترضه معترض عن الاستمرار في إباحة المقامرة في بلاده، فظل سائرا في سبيله حتى اليوم دون أن يلقى ممانعة أو معارضة، حتى أصبح محتكرا لهذا النوع من العمل.
فكل إنسان يريد أن يقامر يجد أبواب موناكو مفتوحة له على مصراعيها، وسواء أكسب أم خسر، فلملك تلك البلاد نصيب مما في جيبه، يقول المثل: «إنك لا تستطيع أن تحوز قصورا شامخة من طريق العمل الشريف»، وملك موناكو ليعلم تماما أن مورد رزقه ملوث دنس، ولكنه مضطر؛ لأنه يريد أن يعيش، ولأنه يعلم أن الأموال الأخرى التي يجبيها من ضرائب التبغ والخمور ليست أصفى ولا أطهر من أموال القمار، فهو بذلك يعيش ويحكم ويهب الجوائز والأعطيات، ويحافظ على أبهة الملك كسائر الملوك الحقيقيين.
فهو يتصدر للحكم ويقيم مهرجانات التتويج ويعطي الأوسمة ويجازي ويعفو، وله كذلك مجلس للوزراء وقوانين ومحاكم لإقامة قسطاس العدل كسائر ملوك العالم، ولكن بنسبة صغيرة، وقد اتفق منذ بضع سنين أن وقعت جناية قتل في تلك المملكة الصغيرة؛ فقد اعتاد أهل تلك المملكة على السكينة والسلام، فلذلك لم يسبق لتلك الحادثة نظير في تلك البلاد، واجتمع القضاة اجتماعا رسميا وبدءوا ينظرون في القضية، وكان هناك نواب عموميون، فتناقشوا في القضية بعد درسها، وأصدروا حكمهم بأن يقطع رأس القاتل كما ينص القانون، ثم رفعوا الحكم إلى الملك فقرأه ووقع عليه بهذه الجملة: «إذا كان المجرم يجب أن يقتل فليقتل.»
Bog aan la aqoon