Bilowga Khayaalka
بدائع الخيال
Noocyada
وما وصل من مناجاة نفسه إلى هذا الحد حتى سمع صوت اللص يصخب ويلعن كمن يخاطب شخصا آخر، فقال في نفسه : «إنما الخير والشر بيد الله.» وقام لوقته يريد مقابلة اللص فرآه ممتطيا فرسه وقد أردف خلفه رجلا آخر مكبل اليدين والرجلين يوسعه لكما وضربا ويستنزل عليه اللعنات طول الطريق، فوقف ابن العراب في وجهه وصاح به: «إلى أين أنت ذاهب بهذا الرجل؟» - «هذا ابن أحد التجار أبى أن يعترف لي أين أموال أبيه، ولكني سوف أذيقه كل صنوف العذاب حتى يقر لي بالمكان.»
ثم أعمل المهماز في جواده يريد السير، ولكن ابن العراب كان ممسكا بالفرس بكل قوته، فلم يدعه يمر وقال له بلهجة الغاضب: «دع هذا الرجل وشأنه.»
عند ذلك استشاط اللص من الغضب، ورفع يده يريد لطمه وهو يقول: «أتريد أن تذوق طعم العذاب الذي أعددته لهذا الرجل؟! تنح عن طريقي وإلا قتلتك شر قتلة.»
ولكن ابن العراب لم يتزعزع من مكانه، بل وقف ثابت الجأش وأجاب اللص بقوله: «لا أدعك تنقل خطوة واحدة دون أن تمر على جثتي وتطأها بسنابك جوادك، فأنا لا أخاف سوى رب العالمين؛ فهو الذي يثبت قدمي الآن لأجاهد في سبيل الخير، فلتكن مشيئة الله.»
فأطرق اللص واجما! ثم أخرج سكينا صغيرا قطع به قيود الشاب، ونظر إلى الرجل وابن العراب وهو يقول: «اغربا الآن عن وجهي، وحذار أن تقف في طريقي مرة أخرى أيها العجوز.»
فقفز ابن التاجر وانطلق يعدو في الغابة، أما اللص فكان على وشك أن يعلو جواده ثانية حينما أمسك الراهب بطرف ثوبه وأخذ في نصحه وإرشاده، وكان اللص في هذه المرة مطرقا لا ينبس ببنت شفة، إلا أنه عاد فهز رأسه ثانية، وركض بجواده نحو الغابة.
وفي اليوم التالي لهذه الحادثة وجد الراهب أن الحياة دبت في العود الثاني ونمت شجيرة تفاح أخرى بجانب الأولى.
مرت على هذه الحادثة عشرة أعوام وقد جلس ابن العراب ذات يوم في كهفه بطمأنينة وسلام وقلبه يطفح بشرا وسرورا، ولا يعكر صفو هنائه خوف أو طمع، وكان يفكر في نعم المولى على عباده، وكيف أن الله - جلت قدرته - هيأ لهم كل ما فيه غبطتهم وسعادتهم، وأنهم هم الذين يوردون أنفسهم موارد البؤس والشقاء، ويعملون على تعكير صفو الحياة بأطماعهم وشرورهم، ثم انتقل بفكره إلى الإنسان وما جبل عليه من شر، وإلى الحياة الاجتماعية وما فيها من أمراض وآلام فقال في نفسه: «عار علي ألا أبرح مكاني هذا، بل علي أن أسعى في الأرض أرشد الناس إلى الطريقة المثلى لنزع الشر من بين جوانبهم!»
وبينما هو غارق في هذه الهواجس إذا باللص يمر من أمامه، فتركه يمر دون أن يتعرض له، بل قال في نفسه: «إن الكلام مع مثله لا يجدي نفعا؛ لأنه لا يفقه لما أقول معنى.» ولكنه ما لبث أن غير عزمه وقام مسرعا خلف اللص فرآه مغبر اللون، مطرق الرأس، خاشع البصر؛ فأشفق عليه ووضع يده على ركبته وخاطبه قائلا: «كن رحيما بنفسك يا أخي، إنك طالما عثت في الأرض فسادا، وأهلكت نفوسا بريئة، وكنت شرا ووبالا على الإنسانية، ومع ذلك فإن الله رحيم بعباده، يقبل توبة التائب، ويعفو عن إساءة المسيء، فهلا رجعت عن ضلالك، وأشفقت على البقية الباقية من حياتك؟»
فوجم اللص لا يتكلم ثم عاد يريد السير ثانية وهو يقول: «دعني وشأني.» ولكن ابن العراب لم ييأس، بل طفرت من عينه دمعة سخينة مسحها بطرف ردائه، وأقبل على إرشاده ونصحه، فنظر اللص إليه طويلا، ثم رمى نفسه عن جواده، وركع أمامه يقول: «ها أنت يا سيدي قد ملكت علي نفسي وظفرت بها أخيرا بعد أن قاومتك عشرين عاما، فافعل بي ما تشاء، فإني رهن إشارتك؛ إذ لا طاقة لي بأكثر من ذلك، قد استفزني الغضب عندما وقفت في طريقي تريد نصحي وإرشادي في المرة الأولى، ولكن ما كدت تعتزل الناس وتزهد في أعطياتهم؛ حتى أخذت أقدر أقوالك ونصائحك حق قدرها؛ إذ علمت أنك لم تنصحني لغاية أو فائدة، وإنما قلت ما قلته لمحض الخير والإحسان، ومنذ ذلك اليوم قدرت جهادك حق قدره، وساقني عامل الإعجاب بك إلى إحضار الخبز إليك في سلة كنت أعلقها على غصن إحدى الأشجار القريبة من كهفك.»
Bog aan la aqoon