مربعة، والثانية مسدسة، والثالثة أسطوانية، وكان بابها عاليا يصعد إليه بمدرج من السلالم من الجهة الجنوبية، وكانت جدران جميع الطبقات مخرمة بنوافذ للنور والهواء
24 - وبدا لعين ورقة أن في زوايا سطح الطبقتين الأولى والثانية تماثيل من النحاس الأصفر لمردة بحرية تزين هذه الأركان.
أما الطبقة الثالثة: فبعضها بناء أسطواني أقيمت عليه أعمدة علم ورقة أنها ثمانية جعلوا بينها المرايا الشهيرة والمصباح الكبير الذي يشعل ليل نهار؛ ليلقي من ضوئه على المرايا ما يرد على البحر فيهدي الطرف البعيد، وفوق الأعمدة قبة، وفوق القبة تمثال من البرونز.
وعلم ورقة من هيلانة أن في هذا البرج العظيم صهريجا عظيما مملوءا بالمياه العذبة للشرب، وفيه روافع يرفع بها الماء إلى الأدوار العليا والوقود للموقد أو المصباح الذي يواجه لهبه، وهناك مصعد للدواب من الطبقة الأولى إلى الطبقة الثانية إذا احتاجوا إلى إصعاد الوقود على ظهورها، وفي الطبقة الثالثة درج في داخل الجدار يصعد عليه إلى الموقد والمصباح، وأن سمك الجدار متران.
أما الوقود فكان من نوع الخشب المعروف بالشراق، وأما المرايا التي كانت تستعمل لعكس نور اللهب فكانت محدبة؛ ليكون ما تعكسه من الأضواء أبعد مدى.
الفصل الخامس والثلاثون
بطرس البحريني
لم تكن هيلانة تعرف بطرس البحريني الذي ذكره أهل الحي ونعتوه بأنه كاتب أبيها؛ لأنها سافرت من الإسكندرية - كما علمنا - قبل اتصاله به بسنوات.
ولكن هيلانة لم تهتم بخبر بطرس هذا؛ لأنها كانت تعلم أن أباها مقصد الطلاب والمتعلمين والنساخ والمطالعين، فهو إذن من هؤلاء، إلا أنه مقرب إلى أبيها، ولكن الحوذي رأى أن يسلي الراكبين بالحديث فذكر لهما أنه رأى بطرس وهو يحمل الصندوق الذي تكلم عنه الجار، على إحدى عجلات النقل عند مرفأ فيلاق، وأراد أن ينفث رأيه في بطرس، فروى لها أن الشرطة استرابوه، فأخرج لهم برهان أستاذه، فتركوه ينزل السفينة، ومع ذلك فقد كانوا يريدون حجزه انتقاما منه؛ لما كان يقع بينه وبينهم من المشاحنات التي كان يبلغ فيها صوت الجدل أجواز الفضاء، ويجمع عليهم الناس؛ ليعرض عليهم حكايته فيما لا يترك للناس مجالا لسماع قصة الجندي، وإبداء سبب القبض عليه. كان في كل مرة يقول للناس: إن هذا الجندي الرومي يضطهدني؛ لأني يعقوبي ومصري، لا لأني أجرمت أو أسأت إلى أحد. فإن كان يرضيكم أن أظلم فأحبس؛ لأني لست على دينه فأمري للرب ينصفني، ولكن لا تستنصروا بعد هذا بإخوانكم يوم يسيئون إليكم؛ لأنكم مصريون ويعاقبة. بهذا وبمثله كان الشرطي الرومي يتركه بالرضا أو بالكره، وكم مرة نشبت موقعة بينه وبين الشرطة فضربهم وضربوه، وحبسوه، وكان سيدي قوزمان يخرجه بأمر المقوقس حتى أصبح الشرطة يهابونه، وأصبح يسير في رقودة كأنه الثور المقدس.
جاء بطرس البحريني من جزيرة منوف، على أثر ما أنزل بونوسوس سنة 610 بمطرانها وقساوستها من الويل. فقد كان الفتى تلميذا أو شماسا في الكنيسة التي قتل المطران في رحابها، وخشي أن يلحقه السيف هو أيضا ففر إلى دير في وادي النطرون. حتى إذا اطمأن باله بجلاء بونوسوس عن الديار - خرج من مخبئه فارا إلى الإسكندرية، حيث الحياة أقرب إلى مطاليب الشباب، وكان قد تعلم في الدير صناعة النسخ والتذهيب وتزيين الكتب، فعول على أن يرتزق من صناعة النسخ في الإسكندرية مدينة الكنائس والأديار، وأخبار القديسين ومعجزاتهم، وما بقي من علوم اليونان في الكتب، وقد وفق الفتى في عمله الجديد توفقا ملأ قلبه أملا وحياة، وأنعشه إنعاشا مضاعفا، وقد أغرم بالطب على أثر اتصاله بالعالم قوزمان فيما كان يعهد إليه به من النسخ، لاعتقاده أن الطب أعود عليه بالكسب؛ لأن في العلم به ما يشبع نفسه التواقة إلى التمكن من الناس؛ فالطب فيه شفاء، وفيه قتل، وفيه امتلاك لقوة الكيمياء وتمكن من حيل الطبيعة، وفيه خفاء وفيه حماية، ولذلك أقبل يلتهم ما كان في مكتبة الأستاذ الكبير؛ ليشبع هذه الخلة من ناحية، ولينسخ ما يرى في نسخه وبيعه مغنما كبيرا.
Bog aan la aqoon