فقالت ووجهها يفيض بشرا: هذا يوم أبيض يا سيدي! شرفت دارنا.
ونظر فؤاد إليها فملأ عينيه منها، وكانت كما عرفها بعينيها السوداوين وشعرها الأسود الحريري، وقوامها اللدن الرشيق وحزامها الأحمر وحلقتها الفضية في طرف أنفها ووشمها الذي يزين ما بين شفتها وذقنها، كانت هي تعويضة لم يتغير منها شيء سوى أنها تقول له: «شرفت دارنا».
وسأل فؤاد قائلا: وأين عم رحومة؟
ولكن نظرة تعويضة كانت لا تحتاج إلى رد.
وتمتم قوية قائلا: البركة فيك يا سيدي.
فنطق فؤاد بكلمتي عزاء، ثم مضى قوية يتحدث بأخباره.
وكان يوما من أسعد الأيام التي مرت على فؤاد، كان مثل النهار الشامس في شتاء دمنهور، فكم تحدث قوية في القريب والبعيد، وكم تفكه كما كان يتفكه، واستأذن ساعة قصيرة، فقام فؤاد يسير وحده بين الحقول، وكان القمح يموج مع النسيم، والفول الأخضر يخلع على الأرض بهجة من نواره ويملأ الجو بعطره الخفيف، ولحق به قوية بعد حين فسار إلى جنبه يحدثه.
وسأله فؤاد باسما أن يعيد عليه بعض أغانيه القديمة، فلم يتردد وأعادها مهتزا بنبرات متهدجة، يغنيها بكل كيانه، ورنت في الفضاء كأنما هي أصداء الأناشيد العذرية التي كانت ترن في نجد عند بيوت آل لبنى وليلى.
ولما حان وقت الغداء مدت تعويضة على الأرض سفرة، وجاءت بطعام عجب فؤاد أن يتهيأ مثله عندها، وذكره الثريد والرقاق المبسوس بمبروكة رحمها الله، فقال وهو يتهيأ للطعام: ما هذا كله يا قوية؟! إنها وليمة عظيمة.
فأغضى الرجل كأنه خجل من كلمته، وخيل إلى فؤاد أن حمرة علت وجهه، فذكره ذلك بيوم بعيد يوم ذبح له قوية حملا منذ سنين، إذ سأله الأفندي: «أنى لك هذا يا قوية؟» فأطرق في شيء من الخجل وعلت وجهه الحمرة.
Bog aan la aqoon