ولكن رغم انقباضي للنكتة منك والظرف؛ ورغم امتعاضي للتغافل منك والحبور، أراني وإياك على تفاهم صامت مستديم يتخلله تفاهم آخر يظهر في لحظات الكتمان والعبوس والتأثر.
بنظرك النافذ الهادئ تذوقت غبطة من له عين ترقبه وتهتم به، فصرت ما ذكرت إلا ارتدت نفسي بثوب فضفاض من الصلاح والنبل والكرم، متمنية أن أنثر الخير والسعاة على جميع الخلائق. •••
لي بك ثقة موثقة، وقلبي الفتي يفيض دموعا: سأفزع إلى رحمتك عند إخفاق الأماني، وأبثك شكوى أحزاني، أنا التي تراني طروبة طيارة، وأحصي لك الأثقال التي قوست كتفي، وحنت رأسي منذ فجر أيامي، أنا أسير محفوفة بجناحين متوجة بأكاليل!
وسأدعوك أبي وأمي، متهيبة فيك سطوة الكبير وتأثير الآمر، وسأدعوك قومي وعشيرتي، أنا التي أعلم أن هؤلاء ليسوا دواما بالمحبين، وسأدعوك أخي وصديقي، أنا التي لا أخ لي ولا صديق، وسأطلعك على ضعفي، واحتياجي إلى المعونة، أنا التي تتخيل في قوة الأبطال ومناعة الصناديد!
وسأبين لك افتقاري إلى العطف والحنان، ثم أبكي أمامك وأنت لا تدري، وسأطلب منك الرأي والنصيحة عند ارتباك فكري واشتباك السبل، وإذ أسيء التصرف وأرتكب ذنبا، سأسير إليك متواضعة واجفة في انتظار التعنيف والعقوبة، وقد أتعمد الخطأ لأفوز بسخطك علي فأتوب على يدك وأمتثل لأمرك! ... وسأصلح تحت رقابتك المعنوية مقدمة لك عن أعمالي حسابا؛ لأحصل التحبيذ منك أو الاستنكار فأسعد في الحالين، سأوقفك على حقيقة ما ينسب إلي من آثام فتكون لي وحدك الحكم المنصف.
وما يحسبه الناس لي فضلا وحسنات فسأبسطه أمامك فتنبهني إلى الغلط فيه والسهو والنقصان.
ستقومني وتسامحني وتشجعني، وتحتقر المتحاملين والمتطاولين؛ لأنك تقرأ الحقيقة منقوشة على لوح جناني: كما أكذب أنا وشاية منافسيك وبهتان حاسديك، ولا أصدق سوى نظرتي فيك وهي أبر شاهد. كل ذلك وأنت لا تعلم.
3 •••
سأستعيد ذكرك متكلما في خلوتي، لأسمع منك حكاية غمومك وأطماعك وآمالك، حكاية البشر المجمعة في فرد واحد، وسأتسمع إلى جميع الأصوات علي أعثر فيها على لهجة صوتك، وأشرح جميع الأفكار، وأمتدح الصائب من الآراء؛ ليتعاظم تقديري لآرائك وأفكاري، وسأتبين في جميع الوجوه صور التعبير والمعنى لأعلم كم هي شاحبة تافهة؛ لأنها ليست صورة تعبيرك ومعناك، وسأبتسم في المرآة ابتسامتك في حضورك، وسأتحول عنك إلى نفسي لأفكر فيك، وفي غيابك سأتحول عن الآخرين إليك لأفكر فيك!
سأتصورك عليلا لأشفيك، مصابا لأعزيك، مطرودا مرذولا؛ لأكون لك وطنا وأهل وطن، سجينا لأشهدك بأي تهور يجازف الإخلاص، ثم أبصرك متوقا فريدا؛ لأفاخر بك، وأركن إليك.
Bog aan la aqoon