97

Atyaf Min Hayat May

أطياف من حياة مي

Noocyada

وبعد أن يعتذر إليها لطفي السيد في هذه الرسالة عن التصريح لها بما في قلبه ونفسه يقول: «فاعذري قلما حساسا، غيورا طماعا، يجري إلى ما يحب كالسيل المتدفق، لا يبالي صادف سهلا أو اصطدم في وعر أو حبس في جسر. إنه لا يعنيه إلا ما يحب من غير أن يفكر، ليس له عذر إلا في صدق، وكفى بالصدق عاذرا، وكفى بالصدق شفيعا!»

الخطاب الثاني

وبعد أن قضى لطفي السيد في مصيف الإسكندرية نحو شهرين سافر إلى بلدته «برقين»، فبعثت إليه الآنسة «مي» بخطاب يتضمن عواطفها النبيلة، وقد سطرت فيه جانبا من أفكارها الأدبية والاجتماعية، فرد عليها بخطاب في أول سبتمبر سنة 1913 جاء فيه: «لست في حاجة إلى العنوان لأني لا أريد أن يقرأ كتابي من عنوانه، ولست في حاجة إلى ندائك من بعيد أو قريب؛ فأنت من نفسي أقرب من أن تناديك.

جاءني كتابك، فشممته مليا، وقرأته هنيئا مريئا، وإني ممتنع نهائيا عن أن أشرح لك العواطف التي تعاقبت على نفسي بتلاوة هذه الرسالة الفيحاء حقيقة بكل معنى الكلمة. وكل ما يأذن لي تهيبك أن أبوح به هو أني من الصباح إلى هذا المساء وأنا وحدي، فلم أستطع أن أمسك القلم لأجيب عليه بصراحتي العادية، فما وجدت بدا من الركون إلى أسلم الطرق، وهو أن أحفظ لنفسي وصف الاغتباط الذي نالني من هذا الكتاب.»

ثم قال: «جاءني كتابك اليوم، وأنا في الجنينة - خولي على غلامين وفتاتين يعملون في الجنينة تحت نظري؛ لأني أكسل من أن أعمل بيدي - جاءني ولا أكذبك أني كنت في انتظاره، فقرأته، ثم قرأته، وذكرت تلك الليلة التي لها في حياتي تاريخ ومركز خاص، وذكرت إذ أستمتع برؤيتك، وتهولني قدرتك على هذا الشباب الغض!»

وبعد أن يتحدث في هذه الرسالة أن كتابها شغله عن الجنينة وعن العمال؛ إذ كانت هي أكبر مشاغله، وكانت رسائلها إليه هي شغله الشاغل، يقول: «ذلك هو شغلي طول النهار يا هانم، أخشى أن تكون عصاك أو نفثاتك قد لعبت بعقلي أيضا، فأحكم على شوبنهاور ونيتشه حكمك القاسي عليهما، ولكني مع ذلك أقول إن شوبنهاور أخطأ خطأ واحدا، وهو أنه لم يقدر أن سيكون من النساء فتاتنا «مي»، ذلك هو الخطأ الأساسي الذي لو تدبر فيه لما تمشى في مذهبه على هذا النحو.»

ثم ينتقل لطفي السيد إلى وصف ما تضمنه كتابها من أفكار وآراء، فيقول: «اعترفي بأنك كنت في ساعة من ساعات تجلياتك، حين كتبت لي هذه الرسالة، أن فيها أفكارا ومرامي ذات وزن كبير، وفيها مقاصد ومعان تكاد تطير من خفتها، أو تذوب من رقتها!»

ثم تغلب عليه خوالج نفسه ودوافع عاطفته ووجدانه نحوها، فيقول في رسالته: «أجناية علي أن أتحدث بهذه النغمة السابغة؟ ألا أن للأرواح أيضا غذاء يتنزل عليها من مكان أسمى من مكانها العادي، وهزة تأخذها حين تتقابل جاذبيتها، لعل ذلك هو سر السعادة الإنسانية التي يلتمسها الناس فلا يعرفون طريقها، إن روحا تغترف قوتها من ذلك المعنى الرفيع لسعيدة لا محالة. قلب يخفق، وعين تنديها دمعة الفرح الباردة، ونفس تتخلى ولو مؤقتا عن هذه الرتبة الدنيئة - رتبة الزحف في حمأة المنافع المادية - إلى السبح في بحر الخيال، واستطعام اللذة المعنوية، ذلك أجمل ما في معاني الحياة الإنسانية.

أف لقيود الاصطلاح! إني كاسرها، وملق بها عني لأقول ماذا؟ لا شيء، بل لأقول إنه لا ذنب علي إن صرحت بأني اليوم سعيد، وربما كنته بعد اليوم، هذا ما لا أعرفه.»

ثم يقول في آخر هذه الرسالة: «ولو علمت أني يسرني أن أظل أكتب لك، أكتب طول وقتي، لما نفدت مادة أنت ينبوعها العذب. وأرجوك ألا ترثي لحال ملكي المسكين الذي يحمل صلواتي، فإن لي ملكا آخر من ملائكة الرحمة تغبطه الملائكة أنا أحبه.»

Bog aan la aqoon