Saamaynta Carabta ee Ilbaxnimada Yurub
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
Noocyada
فلا جرم تفعل الحواجز والقيود التي استلزمتها طبيعة تكوين الدولة في الأمم الشرقية مثل ما فعلته في اليونان خلال عصور الجمود والإقفار. ولا حاجة بنا إلى تفسير آخر غير هذا التفسير نغوص فيه على أصول التركيب التي لا تقبل التعليل بعلة من علل الفلسفة، أو علل الدراسة العلمية، فإنما هي عوارض من أثر البيئة والتاريخ أصابت الساميين بأسبابها المعروفة، كما أصابت الفرس والهنود أيضا وهم غير ساميين، ثم أصابت الإغريق والأوروبيين أيضا دهورا طوالا تحت سلطان الدول والكهانات، فكانوا أضيق بالبحث العلمي صدرا من شعوب الشرق جمعاء، وحسبنا من ذاك محاكم التفتيش وعقوبات الإحراق والحرمان.
ولم تكن للعرب في الجاهلية دولة قوية كالدول التي قامت بين النهرين أو على ضفاف النيل، ولكنهم عاشوا عيشة البدو الرحل في طلب الكلأ والماء، أو عيشة البدو الرحل في تجارة القوافل بين الصيف والشتاء، وأحوجتهم مطالب المعاش إلى الغزو والدفاع بغير هوادة ولا انقطاع. وما من أمة سامية أو غير سامية تقضي أيامها في أمثال هذه الشواغل ثم يتسع لها المقام لدرس الفلسفة وتحصيل المعارف النظرية التي يعين عليها الأمان والاستقرار ...
ومن ضروب التجني التي لا تحمد من العلماء أن يقال: إن العقل العربي لن يستطيع التفلسف بحال من الأحوال؛ لأن الفارابي وابن سينا مثلا كانا من سلالة فارسية على أشهر الأقوال، ولم يكونا من سلالة عربية أو سامية، كأنما كانت للفرس قبل ذلك فلسفة فارسية، أو كان لهم عذر كعذر العرب في هجر البحوث الفلسفية طوال العهود التي مرت بهم في الحضارة والعمران.
وإنما الرأي السليم الذي يقبله المنطق والعلم على السواء أن موانع الفلسفة واحدة؛ حيث كانت الأمة من مواقع الأرض، وكيفما كانت السلالة من عناصر الأجناس والأقوام؛ فالإغريق في موضع العرب لا يتفلسفون، والعرب في موضع الإغريق لا يحجمون عن الفلسفة ودراسة العلوم.
على أن يعقوب الكندي عربي أصيل لم يعرف له نسب دخيل، وفلاسفة الأندلس كانوا من العرب ولم يكونوا من الفرس أو الأوروبيين، أو كانت عروبتهم كالإغريقية التي ينتمي إليها سكان تراقية وجزر الأرخبيل وكريت وصقلية وآسيا الصغرى وجالياتهم بصور وصيدا ووادي النيل.
ولعل هؤلاء الفلاسفة الأندلسيين هم أحق الفلاسفة المسلمين بالتنويه بهم في معرض الكلام على توجه الأوروبيين إلى البحوث الفلسفية والدراسات المنطقية؛ فإن فلاسفة الشرق كالفارابي وابن سينا وغيرهما لم يذاعوا بين الطلاب الأوروبيين عامة إلا من هذا الطريق، وكان الفضل المباشر في تعريف الأوروبيين بهم لأمثال ابن باجة، وابن طفيل، وابن رشد، وابن زهر، وغيرهم ممن زاولوا الفلسفة والطب، أو زاولوا الطب على انفراد. أما قبل ذلك فقد كان العلم بهم مقصورا على الخاصة والمتفرغين للاستبحار في العلوم.
والأوروبيون قد بدءوا بالاطلاع على فلسفة ابن سينا قبل أن يسمعوا بأسماء الفلاسفة الأندلسيين؛ لأن رايموند، أسقف طليطلة، أمر بترجمة بعض مؤلفاته إلى اللاتينية قبل منتصف القرن الثاني عشر للميلاد، ولم يكن هذا أول عهد المتفقهين من أبناء أوروبا العربية بالاطلاع على الثقافة العربية في حلقات الدرس بالجامعات الأندلسية؛ فمن تلاميذ هذه الثقافة قبل نهاية القرن العاشر رجل اشتهر بها، وعده أبناء عصره من السحرة وأصحاب الخوارق لفرط ما أدهشهم من سعة علمه، ووفرة محصوله، وهو الكاهن جربارت، الذي عرف باسم سلفستر الثاني حين ارتقى إلى عرش البابوية سنة تسعمائة وتسع وتسعين.
وجاء الفلاسفة الأندلسيون ففتحوا الباب على مصراعيه، وكان فقهاء المسيحية يبغضون أكبرهم وأشهرهم أبا الوليد بن رشد؛ لاتهامهم إياه بالنزعة المادية وإنكار خلود النفوس الفردية، لكنهم كانوا يستريحون إلى ابن باجة وابن طفيل؛ لأنهما يؤمنان بالإشراق والمعرفة التي تستلهم بالتأمل والرياضة.
وقد ظهرت توجيهات هذين الفيلسوفين المعتدلين في آراء القديس توما الأكويني وألبرت الكبير، ولم تخف مع ذلك توجيهات ابن سينا نفسه فيما كتبه ألبرت الكبير عن «المعرفة» على الخصوص، بل بقيت لابن رشد أيضا توجيهاته القوية في مدارس الفلسفة الأوروبية قرونا عدة بعد تحريم كتبه، وإشهار هذا الحرمان في العالم المسيحي كله، ولم يزل عزيز المكانة على المفكرين والمتفلسفين إلى عهد النهضة الفلسفية الحديثة بعد موته بعدة قرون.
ومن طريف ما يروى في ذلك أن الفيلسوف الألماني فردريك أوبرفيج
Bog aan la aqoon