125

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Noocyada

الشَّرْحُ - الشَّفَاعَةُ لُغَةً مِنَ الشَّفْعِ وَهُوَ الزَّوْجُ، أَيْ: خِلَافُ الوَتْرِ (١)، وَاصْطِلَاحًا: التَّوَسُّطُ لِلغَيْرِ بِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ. - قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ﴾: الإنْذارُ: هُوَ الإِعْلَامُ المُتَضَمِّنُ لِلتَّخْوِيْفِ. - قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿للهِ الشَّفَاعَةُ﴾: مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَقُدِّمَ الخَبَرُ لِلحَصْرِ، وَالمَعْنَى: للهِ وَحْدَهُ الشَّفَاعَةُ كُلُّهَا، وَلَا يُوْجَدُ شِيْءٌ مِنْهَا خَارِجٌ عَنْ إِذْنِ اللهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ، وَأَفَادَتِ الآيَةُ فِي قَوْلِهِ ﴿جَمِيْعًا﴾ أَنَّ هُنَاكَ أَنْوَاعًا لِلشَّفَاعَةِ. (٢) - قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ﴾: كَمْ هُنَا لِلتَّكْثِيْرِ وَلَيْسَ مَعْنَاهَا الاسْتِفْهَامُ، وَذَلِكَ لِبَيَانِ أنَّهُ حَتَّى المَلَائِكَةَ المُقَرَّبُوْنَ حَمَلَةَ العَرْشِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُم شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى. - سِيَاقُ الآيَةِ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِيْنَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُوْنِ اللهِ لَا يَمْلِكُوْنَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيْهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيْرٍ، وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَة عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوْبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحَقَّ وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيْرُ﴾ (سَبَأ:٢٤). - إِنَّ مَسْأَلةَ الشَّفَاعَةِ هِيَ الشُّبْهَةُ الَّتِيْ فُتنَ بِهَا المُشْرِكُوْنَ قَدِيْمًا وَحَدِيْثًا، حَيْثُ ظَنَّوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَهُ شُفَعَاءُ يُقرِّبُونَهُم إِلَيْهِ إِذَا تَعَلَّقُوا بِهِم، فَأَحَبُّوْهُم (٣) وَنَذَرُوا لَهُم وَدَعَوْهُم وَذَبَحُوا لَهُم وَطَافُوا بِقُبُوْرِهِم وَعَكَفُوا عِنْدَهَا، فَقَطَعَ اللهُ تَعَالَى حِبَالَهُم وَأَبْطَلَ أَمَانِيَّهُم، حَيْثُ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الشَّفَاعَةَ لَهَا شُرُوْطٌ؛ وَأَنَّ المُشْرِكِيْنَ مَحْرُوْمُوْنَ مِنْهَا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِيْنَ﴾ (المُدَّثِّر:٤٨)، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى أَيْضًا: ﴿مَا لِلظَّالِمِيْنَ مِنْ حَمِيْمٍ وَلَا شَفِيْعٍ يُطَاعُ﴾ (غَافِر:١٨). قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيْرِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الآفِلِيْنَ﴾ (الأَنْعَام:٧٦): (وَالحَقُّ أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ ﵊ كَانَ فِي هَذَا المَقَام مُنَاظِرًا لِقَوْمِهِ مُبَيِّنًا لَهُمْ بُطْلَانَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَة الهَيَاكِلِ وَالأَصْنَامِ، فَبَيَّنَ فِي المَقَامِ الأَوَّلِ مَعَ أَبِيْهِ خَطَأَهُمْ فِي عِبَادَةِ الأَصْنَامِ الأَرْضِيَّةِ الَّتِيْ هِيَ عَلَى صُوَرِ المَلَائِكَةِ السَّمَاوِيَّةِ لِيَشْفَعُوا لَهُمْ إِلَى الخَالِقِ العَظِيْمِ - الَّذِيْنَ هُمْ عِنْد أَنْفُسِهِمْ أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يَعْبُدُوْهُ -؛ وَإِنَّمَا يَتَوَسَّلُوْنَ إِلَيْهِ بِعِبَادَةِ مَلَائِكَتِهِ لِيَشْفَعُوا لَهُمْ عِنْدَه فِي الرِّزْقِ وَالنَّصْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُوْنَ إِلَيْهِ). (٤)

(١) قَالَ فِي لِسَانِ العَرَبِ (١٨٤/ ٨): (وَالشَّفَاعَةُ: كَلَامُ الشَّفِيْعِ لِلْمَلِكِ فِي حَاجَةٍ يَسْأَلُهَا لِغَيْرِهِ، وَشَفَعَ إِلَيْهِ: فِي مَعْنَى طَلَبَ إِلَيْهِ، وَالشَّافِعُ: الطَّالِبُ لِغَيْرِهِ يَتَشَفَّعُ بِهِ إِلَى المَطْلُوْبِ). (٢) أَيْ: لِلشَّفَاعَةِ المُثْبَتَةِ. (٣) مَحَبَّةَ العُبُوْدِيَّةِ. (٤) تَفْسِيْرُ ابْنِ كَثِيْر (٢٩٢/ ٣).

1 / 125