. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بها، فحينئذ إتيانه النبوة والحكمة وسائر أوصاف حقيقته وكمالاتها كلها معجل لا تأخّر فيه، وإنما المتأخر تكوّنه وتنقّله فى الأصلاب والأرحام الطاهرة إلى أن ظهر ﷺ.
ومن فسر ذلك بعلم الله بأنه سيصير نبيا لم يصل لهذا المعنى لأن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء، فالوصف بالنبوة فى ذلك الوقت ينبغى أن يفهم منه أنه أمر ثابت له فيه، وإلا لم يختص بأنه نبى حينئذ، إذ الأنبياء كلّهم كذلك بالنسبة لعلمه تعالى، وأخرج ابن سعد، عن الشّعبى: متى استنبئت يا رسول الله؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد، حين أخذ منى الميثاق» (١) وهو يدل على أن آدم لما صور طينا، استخرج منه محمدا ﷺ، ونبئ وأخذ منه الميثاق، ثم أعيد إلى ظهره ليخرج أوان وجوده فهو أولهم خلقا، وخلق آدم السابق كان مواتا لا روح فيه، وهو ﷺ كان حيا حين استخرج ونبئ وأخذ منه الميثاق، ولا ينافى هذا أن استخراج ذرية آدم، إنما كان بعد نفخ الروح فيه، لأنه ﷺ خصّ من بين بنى آدم بذلك الاستخراج الأول، وفى تفسير العماد ابن كثير عن على وابن عباس رضى الله عنهم فى قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اَللهُ مِيثاقَ اَلنَّبِيِّينَ. . . (٢)
الآية، أن الله لم يبعث نبيا إلا أخذ عليه العهد فى محمد ﷺ: لئن بعث وهو حى ليؤمنن به ولينصرنه، ويأخذ العهد بذلك على قومه، وأخذ السبكى من الآية أنه على تقدير مجيئه فى زمانهم مرسل إليهم فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من آدم، إلى يوم القيامة، وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته فقوله: «وبعثت إلى الناس كافّة» (٣) يتناول من قبل زمانه أيضا وبه يتبين معنى «كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد» (٤) وحكمة كون الأنبياء فى الآخرة تحت لوائه، وصلاته بهم ليلة الإسراء (٥).
_________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) سورة آل عمران: آية (٨١). وانظر: تفسير الحافظ ابن كثير (١/ ٣٧٨).
(٣) رواه أحمد فى «المسند» (٣/ ٣٠٤)، والطبرانى فى «الكبير» (١٢/ ٤١٣)، وابن سعد فى «الطبقات» (١/ ٢٨٤)، وأبو عوانة فى «المسند» (١/ ٣٩٦)، والبيهقى فى «السنن» (٢/ ٤٣٣).
(٤) رواه أبو بكر بن أبى شيبة فى «المصنف» (١٤/ ٢٩٢)، وابن سعد فى «الطبقات» (١/ ٩٥)، (٧/ ٤١)، والبخارى فى «التاريخ الكبير» (٧/ ٣٧٤)، والحاكم فى «المستدرك» (٢/ ٦٠٩)، وصححه ووافقه الذهبى.
(٥) انظر فى ذلك: سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد لمحمد بن يوسف الصالحى (١/ ١٠٨، ١٠٩) وقد ذكر قول الإمام السبكى ومما أفاد به على ما نقله المصنف من كلام السبكى قال: =
1 / 35