وأما الآن فلنفصل القول فى القرع والاستماع. والقرع فرعان: أحدهما بالفعل، والآخر بالقوة. ومن الأشياء ما لا قرع له مثل النشافة والصوف؛ ومنها ما له قرع كالشبه وما كان كثيفا أملس من الأجساد، لأنه يمكنه القرع، 〈أعنى أنه يمكنه فى الوسط〉 الذى بينه وبين السمع أن يحدث قرعا بالفعل. — وإنما يكون القرع بالفعل إذا كان شىء يصدم شيئا، وذلك أن الضارب هو الذى يفعل القرع. من أجل ذلك لا يمكن القرع أن يكون شيئا واحدا، والضارب غير المضروب، كذلك المضروب إنما يقرع بصوته شيئا، والقرع لا يكون إلا بحركة. وقد أخبرنا أن ليس كل ما اصطك من الأشياء حدث عنه قرع، لأن الصوف إذا صك أو صك به لايفعل قرعا ألبتة، ويفعل ذلك النحاس وكل ما كان أملس مقعرا: أما النحاس فمن أجل ملوسته، وأما المقعر من الأشياء فانما يحدث الصوت عنه من أجل انطواء الجو فيه، ويفعل خفقات كثيرة بعد الخفقة الأولى، ويبقى مسموعا طويلا، وذلك أن ما دفع القرع من الجو لا يمكنه الخروج سريعا. وفى الماء قد يمكن القرع، إلا أنه قرع ضعيف. — وليس الجو ولا الماء علة للقرع، لأن القرع يحتاج إلى أجسام كثيفة تصدم الهواء فيصدم بعضها بعضا. وإنما يكون ذلك إذا ثبت الجو عند ضرب الضارب فلم يتبدد. لذلك إن ضرب ضارب فأسرع وشدد ضربه أجاب الهواء بخفقة، لأنه ينبغى لحركة ضرب الضارب أن تسبق تبدد الهواء، كمن ضرب شيئا من رمل.
Bogga 48