فما ليس له لون فذلك قابل اللون، وما لا قرع له فذلك قابل القرع. والصفاء لا لون له وليس بمبصر أو مبصر بعد عسر كما ترى الشىء المظلم. وهكذا حال الصقيل ما لم يكن حال صفاء بالفعل، لأن نفس طباعه هى مرة ظلمة، ومرة ضوء. — وليس جميع الأشياء مبصرة فى الضوء، ما خلا لون الشىء الخاص به. وذلك أنا لا نرى طوائف من الأشياء إذا كانت فى الضوء، وقد يمكننا رؤيتها إذا كانت فى ظلمة: وهى الأشياء النارية المضيئة (وليس لمثلها اسم خاص لجميعها) ومنها قرن حيوان يقال له موقس ورؤوس من رؤوس السمك وأعين من أعينها وقشور من قشورها. وليس شىء من هذه يرى لونه فى الضوء، أعنى اللون الذى هو خاص له. فان قال قائل: لأية علة لا تبصر هذه؟ فذلك قول آخر. — وأما فى وقتنا هذا فقذ استبان أن الذى يرى فى الضوء هو اللون، ولذلك لسنا نرى بغير ضوء. ومن هذه الجهة تحد آنية اللون بأنه محرك ذا الصفاء بالفعل؛ وفعل الصقيل الضوء. — والشهادة القاطعة على هذا أنه لو أخذ أحد شيئا ملونا فوضعه على بصره لما أبصره شيئا، لأن اللون يحرك صقيل الجو، وباتصال الهواء يتحرك الحس. — لم يكن يحسن ذومقراط إذ ظن أن المسافة بين الناظر والمنظور إليه إذا كانت خالية استقصى الناظر النظر، ولو كانت نملة فى السماء. وهذا ما لا يمكن. لأن الحس إذا 〈تألم〉 بضرب من الضروب كان منه النظر؛ وليس يمكن أن يألم من اللون وحده — فيبقى أنه إنما يألم من الشىء المتوسط ما بين المتلون والناظر: ولهذا يجب أن يكون بالاضطرار شىء واسط. وإذا كان المتوسط خاليا، فالناظر لا يذهب عليه الاستقصاء فقط، بل ألبتة لا يرى شيئا.
قد قيل لأية علة كان اللون، بالاضطرار، غير مبصر إلا فى الضوء. وأما النار فمدركة رؤيتها فى الظلمة والضوء؛ وذلك بالاضطرار، لأن صقل الجو إنما يكون بالنار وما أشبهها.
وهذا القول بعينه يجرى على هذا المجرى فى القرع والرائحة، لأنه ليس منهما شىء يفعل حسا بمماسة العضو الحاس، وإنما تتغير المسافة الواسطة بالرائحة والقرع، ثم تتغير الحواس المدركة لها باتصال المسافة بها. فأما إن وضع أحد شيئا مصوتا على السمع، أو وضع ذا رائحة على منخره لم يدرك بحسه شيئا منها. — وكذلك يجرى القول فى اللمس والمذاق، إلا أنه ليس بظاهر. وسيتضح كيف ذاك أخيرا، ولأية علة كان هذا هكذا. — وأما المتوسط بين الصوت والسامع فانه الهواء، وليس للمتوسط بين الشام والمشموم اسم. وذاك أن هناك عرضا يجمع الهواء والماء فى حال الاشتمام بقدر كما أن الصفاء للون، كذلك ما فى هذين لذى الرائحة. فقد نرى ذوات الماء ولها حس الاشتمام، إلا أن الإنسان وما كان متنفسا من ذوى الأرجل ليس يمكنه إدراك الرائحة بالاشتمام إلا أن يتنفس. وسنخبر بعلة ذلك أخيرا.
[chapter 13: II 8] 〈السمع والقرع〉
Bogga 47