فإذ قد فصلنا ما قلنا فى هذه وشبهها، فهلم لنقول قولا جامعا فى كل حس. وقد أخبرنا أن الحس إنما يكون إذا ألم وتحرك بالانفعال، وذلك أنه ضرب من ضروب الاستحالة. وقد قال أقوام إن المثل يألم من مثله؛ وقد قيل كيف ذلك 〈يمكن〉 أو لا يمكن، ولا سيما فى جوامع الكلام قد قلنا عن الفعل والانفعال. ولسنا بقائلين عنهما شيئا واحدا فى وقتنا هذا. — ولنا فى الحواس مسألة: لم كانت لا تحس أنفسها، ولم لا تفعل حسا بغير وارد يرد عليها من خارج، إذ كان فيها نار وأرض وسائر العناصر التى عنها يكون الحس بذاته، أو بما عرض له؟ وهذا دليل على أن المدرك بالحس ليس هو حارس المدرك له إلا بالقوة وحدها، لا بالفعل. ولذلك لا يحس منه مثل الشىء المحترق، فان المحترق لا يحترق فى نفسه دون المحرق له: ولو كان يحرق نفسه لقد كان نارا بالفعل ولم يكن ليحتاج إلى غيره. — والإدراك بالحس مقول على جهتين: (وذلك أنا نقول إن البصير والسميع بالقوة هما بصيران سميعان ولو كانا قائمين) والحس الفاعل أيضا مفعول على جهتين: إحداهما بالقوة، والأخرى بالفعل.
فلنقل أولا إن التحرك والتألم، والفعل الذى لم يصل إليه — شىء واحد؛ وقد قيل فى غير هذا الموضع إن الحركة فعل، إلا أنه ناقص. وإنما يألم كل شىء ويتحرك بقعل يبدو من الفاعل فيصل إليه. لذلك قد يكون الشىء يألم من مثله، ويكون شىء يألم من غير مثله، كالذى ذكرنا آنفا. وإنما يألم الشىء ما كان فى نفسه غير مثل، فاذا وصل إليه التغير فألم، عند ذلك يصير مثلا.
Bogga 42