وألف هذا الوضع وارتاح إليه، كان لا يطيق أن تغيب عنه سهام يوما واحدا، وكان تحقيق أطماعه لا يكلفه أية مشقة، فلم يكن سؤاله عن سهام يثير أي شك عند زوجته، ولم تكن سهام نفسها ترى شيئا غير مألوف في ابتسامة الفرح التي يفتر عنها ثغره كلما أقبلت لزيارتهما، ولا من النظرة الفياضة بالحنان التي كانت ترسلها عيناه إليها كلما التقت عيناهما، وقضى عاما سعيدا كاملا لم تكن تشوبه إلا تلك اللحظات التي تجرف فيها عاطفته الحبيسة عقله أمامها، وتنحدر كالسيل عبر عينيه في نظرة عميقة، أو عبر يده في سلام حار، كانت تعذبه عندئذ الخشية أن تكون امرأته قد أدركت شيئا.
لكن امرأته لم تدرك شيئا بالمرة، ظلت ترى في عواطفه نحو سهام عطفا عليها هي، وفي مداعبته لها ترفيها عن شقيقتها التعسة يشكر عليه.
وخرج ذات يوم من مقهى كان يؤمه بين الحين والحين ليلقى أصدقاءه، وأراد أن يعبر الشارع، فدوى في أذنيه نفير سيارة يصم الآذان، فتوقف عن السير ليفسح لها الطريق، لكن جندي المرور أطلق صفارته، ولم تجد سائق السيارة سرعته ولا نفيره، فقد اضطر أن يقف، ووقف هو مترددا حتى حاذته السيارة، ومد بصره ليرى ذلك السائق المتسرع، فالتقت عيناه بوجه سهام! رأى سهام جالسة إلى جانب قائد السيارة، وقد التف ساعدها حول خصره، وقد فاجأتها الحوادث، فلم تستطع أن تسحب يدها.
إنه لا يدري ماذا فعل ولا أين ذهب، لا يدري إلا أنه عاد إلى داره تلك الليلة في منتصف الليل، وارتمى على فراشه خائر القوى، وجاهد يقظته حتى غلبه الرقاد، وحملته الأحلام في أودية من الرعب والفزع، كان يفزع منها إلى يقظة أشد هولا وفظاعة، وما يكاد يحس بيقظته حتى يهرب إلى النوم، فيغطي وجهه بيديه مبعدا شبح هذا الليل الكريه.
وأصبح الصباح، وقالت له زوجته، وهو يزدرد طعامه مستكرها: لا بد أن تذهب اليوم إلى الطبيب، إنك لم تنم أمس نوما هادئا، وها أنت لا تأكل بشهية!
وسادت فترة صمت، تحركت بعدها شفتاه في خفوت: أرأيت سهام أمس؟
وأجابت زوجته: أجل رأيتها عصر أمس، وكلمتني بالتليفون في المساء، وقالت لي إنها رأتك تعبر الشارع أمس، ولم تملك أن تحييك.
وقال وهو لا يحس ما في سؤاله من غيظ وثورة: من هذا الذي كان معها في السيارة؟ - إنه الدكتور زاهر صديقها وصديق زوجها.
وقال مستنكرا: لقد كانت معه وحدها.
وتجاهلت زوجته استنكاره قائلة: إن الدكتور زاهر صديقهما الحميم، وقد كان معهما في الصعيد، وهو الآن يقضي إجازته في مصر.
Bog aan la aqoon