لقد تشاجرا بالأمس!
وتعود من جديد قصة الشبهة والقرائن، وتقفز الحيرة إلى رأسه. إنه لا يملك دليلا إلا هذه الشبهة، وهي لا تكفي لإدانة متهم، وهو يخشى أن يتركها فيفقد البصيص الضئيل الذي يقود إلى الحقيقة، ويجد الشرطة في البحث، ويقلب الحقل رأسا على عقب، ويعود الرسل متهللين فرحين؛ فقد وجدوا الدليل!
هذا الخنجر الحاد المرهف!
إن القاتل يختفي عند قبضته بلا شك.
ويشهد خفراء القرية بأنه خنجر سيد، ويشهد بذلك أصدقاؤه، ويسأل حسان فيؤيد ما يقول الشهود، ويقول سيد - بعد أن تفجعه الحجج - في تخاذل: خنجري نعم، ولكنني لم أقتل، وأقسم بالله!
ويجلس سيد في ظلمات السجن وحيدا، لقد ألف الوحدة، ألفها في الحقل، حين كان يجلس وحده في الكون كله يتأمل السماء. إنه هنا أيضا وحيدا! نفس القمر الذي يراه من كوة السجن، كان يراه وحده في الحقل وكان يحدثه ... طالما حدثه عن زهرة وهو صغير يهفو إلى حبها، وطالما حدثه عنها وهو شاب يطمح إلى زواجها، وطالما حدثه عنها وهو زوج يصبو إلى سعادتها، وطالما حدثه وهو أعزب مجروح العرض مثلوم الشرف، طالما حدثه بأحزانه؛ لأنه كان لا يجرؤ أن يحدث غيره!
ويسأل القمر: من وضع هذا الخنجر في الحقل؟ إني لم أعاد أحدا، فمن أين لي الأعداء؟!
ويصمت القمر ولا يجيب، ويتردد السؤال في مكان آخر، في ساحة القضاء: من الذي وضع الخنجر إذن يا سيد؟
ويهم سيد أن يقول: لقد سألت القمر نفس هذا السؤال!
ولكنه يذكر أن القمر لا يجيب، وأن القاضي لا يسأل السماء.
Bog aan la aqoon