ثم تحدثت عن علوم العربية فى الأمالى، وذكرت أن ابن الشجرى أفسح أماليه لمسائل من اللغة والأدب والبلاغة والعروض والتاريخ والأخبار والجغرافية والبلدان. وقد ظهر لى أن أهمّ فنّ عالجه ابن الشجرىّ بعد النحو والصرف هو فنّ اللغة، فقد عنى ابن الشجرىّ عناية فائقة باللغة: دلالة واشتقاقا، ثم عرض لقضايا وظواهر لغوية كثيرة، كالمشترك اللفظىّ، وتركّب اللغات وتداخلها، ولغة العامة ولهجات القبائل، والأصوات ومخارج الحروف، وتطوّر دلالات الألفاظ.
وفى ختام هذا الباب تحدّثت عن نسخ الأمالى المخطوطة، ثم أفردت كلمة عن النسخة التى اتخذتها أصلا، وهى نسخة مكتوبة بخطّ نسخى نفيس جدا، تمّ نسخها فى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، أى بعد وفاة ابن الشجرىّ بتسع وثلاثين سنة. والنسخة مقابلة على أصلها، وبآخرها سماع لعلماء القرنين: السادس والسابع، وجاء بحواشيها تعليقات جيدة، وقد تضمنت هذه التعليقات فوائد كثيرة منها النصّ على أوهام ابن الشجرى، ونسبة بعض الأقوال إلى أصحابها، وتصحيح نسبة بعض الشواهد. وبعض هذه التعليقات لأبى اليمن الكندى، تلميذ ابن الشجرى، وبعضها لأحد تلاميذ ابن هشام.
وقد انتهيت من خلال دراستى لابن الشجرىّ وأماليه إلى هذه النتائج:
أولا: يعدّ كتاب الأمالى من كتب الدراسات القرآنية، حيث بسط ابن الشجرىّ الكلام فيه على مسائل من تفسير القرآن وإعرابه وحذوفه ومشكله.
ثانيا: يعدّ ابن الشجرىّ من شرّاح سيبويه وأبى علىّ الفارسىّ، وقد حفظ لنا نصوصا وشواهد عن سيبويه ليست فى المطبوع من «الكتاب». ومعروف عند الدراسين أنّ بين أصول «الكتاب» القديمة اختلافا فى عدّة الأبيات، وأن بعضها ربّما انفرد بشواهد أخلّ بها غيره، وقد صرّح ابن الشجرىّ نفسه بأن لكتاب سيبويه أكثر من نسخة. ثم عرض ابن الشجرىّ لشرح مسائل كثيرة من كلام سيبويه وأبى على الفارسىّ، وذكر أن الشرّاح قصّروا فى الإبانة عن مرامى أبى على.
المقدمة / 9