ذكرت من أكثر من النقل عنهم والانتصار لهم، والاستدراك عليهم، بما يجلو شخصيته النحوية، ويبرز موقفه من مصنّفات الأوائل، وهو موقف ذو ثلاث شعب كما ترى.
والحديث عن مصادر ابن الشجرىّ وموارده مفض إلى الحديث عن أثره فيمن جاء بعده من النحاة. ويمثّل ابن الشجرى ومن إليه من نحاة القرنين الخامس والسادس حلقة الوصل بين المتقدّمين من النحاة والمتأخرين، فقد كان لقرب هذا الجيل من المنابع الأولى بالتلقّى والمشافهة، وما ظهر به نحاة هذا الجيل أيضا من الكتب والمصنّفات التى عمرت بها دور العلم وخزائن المكتبات، قبل أن تعصف بها عوادى الناس والأيام، كان لذلك كلّه فضل حفظ آراء المتقدّمين، ممّا أمدّ النحاة المتأخرين بذلك الفيض الزاخر من الوجوه والآراء.
وقد تتبّعت ابن الشجرى فى مصنّفات النحويين المتأخرين، باستقراء أرجو ألاّ يكون فاتنى معه شيء، ثم أفضى تخريج شواهده من كتب العربية إلى تأثّر خفىّ من أصحاب هذه الكتب، لم يصرّحوا به، وقد ابتدأت بأبى البركات الأنبارى، وانتهيت بالمرتضى الزّبيدىّ.
وفى ختام هذا الباب أبنت عن مذهب ابن الشجرىّ النحوىّ، وانتهيت إلى أنه بصرىّ خالص، وقد قوّى حجج البصريّين، وانتصر لهم فى أكثر من موضع من الأمالى، بل إن كثيرا من حجج البصريين فى المسائل الخلافية التى أوردها الأنبارىّ فى كتابه «الإنصاف» منتزعة من كلام ابن الشجرىّ.
أمّا الباب الثالث فقد قصرته على كتاب «الأمالى» فتحدثت عن معنى الأمالى، والفرق بينها وبين المجالس، وذكرت الأمالى المصنّفة فى علوم العربية قبل أمالى ابن الشجرىّ، وبيّنت أن هذه انفردت بظاهرة لم تعرف فى الأمالى الأخرى، وهى ظاهرة التأريخ للمجالس، ثم تكلمت على منهج ابن الشجرىّ فى أماليه، وأنه مع طول الأمالى وتشعّب القول فيها يبدو متنبها لبعض الموضوعات التى عالجها من قبل، مما يدلّ على أنه احتشد للأمالى احتشادا، فليست آراء يمليها على الطلبة ثم يفرغ منها.
المقدمة / 8