45

Rajada iyo Utopiya

الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ

Noocyada

وعلى الرغم من اختلاف مفهوم ما قبل الوعي عند بلوخ عنه عند علماء التحليل النفسي، إلا أنه يوجد من هؤلاء العلماء - مثل إريك فروم - من يقول بأن اللاوعي أو اللاشعور لديه معرفة يستطيع عن طريقها أن يدرك حقائق الأمور، فكما أن لنا حواس هيئت لنرى بها، ونسمع ونشم ونلمس، عندما نحتك بالواقع، كذلك هيئ لنا عقل لندرك به الواقع، أي لنبصر الحقيقة، خصوصا الحقيقة الكامنة في النفوس، بصيرة تنفذ في حقيقة أنفسنا وغيرنا وفي العالم من حولنا. وهذه الفكرة لها دلالاتها في الأحلام التي تتميز ببصيرة نافذة، وفي أنواع عديدة من السلوك والاستجابات.

32

والواقع أن بلوخ لم يكتشف فكرة «اللاوعي» وعلاقته بالوعي ولم يدع ذلك، لأن هذا الاكتشاف يرجع إلى سنوات طويلة ماضية، إلى ما يقرب من قرنين من الزمان. فمن المعروف في تاريخ الفلسفة أن ليبنتز (1646-1716م) قد سبق إلى اكتشاف منطقة اللاوعي التي تشبه التيار التحتي الذي يسيل تحت أمواج الحالات والأحداث النفسية الواعية. ويوجد هذا الاكتشاف في كتابه «رسائل جديدة عن العقل الإنساني» الذي نشر لأول مرة عام 1765م وكان في الأصل ردا على كتاب جون لوك (1632-1704م) عن العقل الإنساني عام 1690م. ومن المعروف أيضا أن ليبنتز ينتقد فيه رأي لوك بأن المعرفة كلها مستمدة من التجربة، وفق عبارته المشهورة «لا شيء في العقل إلا وقد سبق وجوده في الحس.» ولذلك يتساءل ليبنتز إن كانت الحقائق كلها تعتمد على التجربة أم أن ثمة حقائق تستند إلى مصدر آخر: «صحيح أن الحواس ضرورية لكل معارفنا الحقيقية، ولكنها لا تكفي لكي تزودنا بجميع هذه المعارف.»

33

وينطلق ليبنتز - في رده على لوك - من هذه الفكرة البسيطة؛ فهناك أشياء صغيرة غير ملحوظة تند عن إدراكنا، ولكنها تؤثر علينا. وهذه الفكرة تقوم بدورها على فكرة أخرى يفترضها مذهب ليبنتز الواحدي (أو الكلي) الذي يترابط فيه كل شيء مع كل شيء. فالعالم لا يحتوي على أي ثغرات. وإذا تصورنا في الظاهر أنها موجودة، فإن تلك الأشياء الضئيلة غير الملحوظة تشغلها. ومن المعروف أن فكرة ليبنتز هذه تدين في وجودها لاكتشاف حساب التفاضل (الذي توصل إليه مع نيوتن في وقت واحد تقريبا مع فارق زمني ضئيل) بجانب اكتشاف الكائنات الدقيقة تحت المجهر في أيامه، مما عزز مذهبه المعروف عن المونادات التي تتألف منها الجواهر أو الموجودات جميعا. كذلك يوجد في خلفيتها - أي خلفية تلك الفكرة - الرأي السائد في الفيزياء بوجود دفعات للحركة متناهية في الصغر، ومن ثم اعتقد فيلسوف الذرات الروحية بوجود دفعات متناهية في الصغر في الحياة النفسية والعقلية هي التي تستدعي مختلف الأفكار والإحساسات. ويقدم ليبنتز مثلا على ذلك بهدير البحر الذي يصل إلى أسماعنا، فلا بد لسماع هذا الهدير من سماع أصوات الأمواج التي يتألف من مجموعها هذا الهدير. ولهذا يتحتم أن تؤثر علينا حركة كل موجة على حدة تأثيرا ما، كما يتحتم علينا أن ندرك على نحو من الأنحاء كل صوت على حدة مهما يكن شديد الخفوت، وإلا لما تأثر الواحد منا أي تأثر بمائة ألف موجة، لأن مائة ألف لا شيء لا يمكن أن تصنع شيئا.

34

هنالك إذن - حسب رأي ليبنتز - تأثيرات على وعينا تعتبر في ذاتها غير قابلة للإدراك. وهو يطلق على هذه التأثيرات - المتناهية الدقة والضعف بحيث لا يمكن الإحساس بها - اسم الإدراكات غير الملحوظة، ومجمل القول أن لهذه الإدراكات غير الملحوظة في العلوم العقلية أو الروحية نفس الأهمية القصوى التي للأجسام غير الملحوظة في علم الفيزياء. ومن الخطأ كما يقول ليبنتز نفسه في كلتا الحالتين أن نسقطها من حسابنا، أو أن نتجاهلها بحجة أنها تقع خارج مجال حواسنا.

35

ويصدق على الأفكار المنسية ما يصدق على الإدراكات غير الملحوظة. فبفضل هذه الإدراكات تترسب في باطن الإنسان انطباعات وآثار من أحواله وتجاربه السابقة. وهذه الآثار هي التي تقوم بوظيفة الربط بين الأحوال السابقة وبين الحالة الراهنة، وهذه الآثار تظل كذلك كامنة في باطن الإنسان «حتى ولو لم يلحظ هو نفسه وجودها، أي حين لا يتذكرها بصورة واضحة.»

36

Bog aan la aqoon