ولم يكن لطفي متقدما في دراسته، ولا كان متأخرا؛ فهو ينجح في كل عام نجاحا يفرح به أبوه كل الفرح غير ناظر مثقال ذرة للدرجات المتهافتة التي ينجح بها ولده.
وما زال يسير في دراسته، حتى حصل على بكالوريوس التجارة. وإن كان أبوه قد فرح فرحا عارما بنجاح الابن وحصوله على الشهادة الجامعية، فإن فرح لطفي كان مضاعفا عشرات المرات ليس لمجرد تخرجه، وإنما أولا وقبل كل شيء لأنه يستطيع بما ناله من شهادة أن يفلت من ربقته لأبيه الذي كان يضيق عليه في المصاريف ضيقا لا يمكن أن يتصوره أحد.
فمهما يكن صرافا، ومهما يكن لحزا شحيحا، فإن لكل بخل حدا يقف عنده. وليس ينسى لطفي يوم حصل على شهادة الثانوية العامة بتقدير يتيح له أن ينتظم في كلية التجارة، راح أبوه يبحث عن الذين نالوا الثانوية العامة في نفس العام، حتى يستطيع هؤلاء الناجحون النازحون إلى القاهرة أن يتقاسموا الغرفة الوحيدة التي سيبحث لابنه عنها في أرخص أحياء القاهرة مهما تكن بعيدة عن الجامعة.
وبالمثابرة والجهد الجهيد وجد شهيدي الأهتم وسعداوي الجرف قد حصلا هما أيضا على الثانوية العامة، وكان كلاهما فقيرا معدما، ففرح أهلوهما بما اقترحه عليهم أبو سريع أن يشاركا ابنه الغرفة، ويتقاسم ثلاثتهم إيجارها.
وليس ينسى لطفي يوم نزل مع أبيه ليبحثا عن غرفة، فإذا بهما يجدان حجرة على سطح منزل بالجيزة موقعها قريب من الجامعة، وأبى أبوه أن يستأجرها وراح يدور في أنحاء القاهرة بحثا عن حجرة أشد رخصا، وقال له لطفي يومذاك: يابا إن ما سنوفره من أجرة الحجرة سننفقه في المواصلات.
وإذا أبو سريع يجيبه في سخرية: منذ متى كان المشي يدفعون له أجرة.
وجف لسان لطفي وهو يتلعثم لأبيه: أمشي من هذه الأحياء البعيدة إلى الجامعة؟ - ومن الدلجمونة وحياة والدك.
وصمت لطفي صاغرا.
واستأجر أبو سريع غرفة في أزقة عابدين.
واستمر لطفي سنوات الجامعة الأربع يأكل مرة واحدة في اليوم ليستطيع أن يركب المواصلات، وكانت أمه سلمى أم الخير حين تراه في الإجازات تفجع بهزاله، عالمة كل العلم أن أباه يقتر عليه أشد التقتير. - يا أخي حرام عليك، إنه ابنك الوحيد، وأنت رزقك واسع. - إذا أسرف اليوم أضاع الأرض غدا. - فإذا مات؟ - لا يموت أحد من المشي.
Bog aan la aqoon