ولكن في ذات يوم بينما كنت أبحث في بعض الحقائب إذ عثرت على صورة فتوغرافية لي يوم كنت طفلة في الحول الثاني فهرعت بها طافرة من الفرح إليه وكان جالسا إلى المنضدة يكتب، فألقيت الصورة أمام عينيه وقلت: انظر، أتتبين في هذه ظل زوجتك.
فجلس يتأملها طويلا وهو لا يحير جوابا، ثم ألقى يديه فجأة حول خصري وراح يدفن وجهه في طيات ثوبي وغمغم يقول وكتفاه يرعشان من فرط التأثر: أواه يا عزيزتي.
قلت جازعة: ماذا بك يا فاتني؟
فخلاني من ذراعيه، وأمسك برأسه بين كتفيه وأخذ يبكي ... ففهمت ... •••
وقضى أبي نحبه، وجاءت أمي لتعيش معنا.
وكنت قبل هذا العهد أصحب زوجي في رحلاته بين حين وحين، ولكني أدركت أن ذلك لم يعد ميسورا لأنني لا أستطيع ترك أمي وحدها.
وبدأ الانفصال بيننا لأول مرة منذ عهد الزواج، وإني لأذكر جلستنا على مطالع المساء السابق ليوم الفراق، فقد آوت أمي إلى مخدعها عقب العشاء، وراح هو يستلقي على جلد الدب بجانب الموقدة ويناشدني أن أغني له لحنا.
وكنا في عتمة المساء ولم نشأ أن نضيء الأنوار، فمشيت إلى المعزف وأنشأت أعزف وفراق الغد غالب على خاطري وأغني الأغنية الآتية:
ماذا أنت صانع يا حبيبي إذا أنا في غد ركبت البحر مفارقا. ماذا أنت في غد صانع إذا جاءت الأنباء من بعيد تحطم آنية الحب وتذهب من وقعها الأليم بالعهد، ألا لا تذكري ذلك ولا تتخيليه، فإنني على العهد باق، وعن الوفاء مسؤول، ولكن إذا قاسمني فؤادك مقاسم، وشاركني في حبك مشارك، فلن أطيق القسمة ولن أحتمل، فماذا أصنع يا حبيبي، وما أفعل يا فاتن الفؤاد ...
وتبين رنة الدموع في تضاعيف صوتي، فقام من استلقاءته فألقى يده على كتفي في حنان وقال: هذه أغنية محزنة في ليلتنا هذه، فغنيني قطعة مفرحة فذلك خير ...
Bog aan la aqoon