قلت: من عجب كل شيء! ماذا تعنين يا أماه؟ ... أحالت بعد ذلك الحادث الحال، أم تنكر الزمان؟
فتلعثمت أمي قائلة: كلا يا ابنتي، لقد كانت أصابتك داخلية عندما سقطت من فوق صهوة الجواد، وكان لا بد من إجراء عملية جراحية عاجلة لنجاة حياتك من مخالب الموت، ولقد كانت عملية خطيرة، وكانت نتيجتها أنك لن تلدي إذا تزوجت أولادا، ولن تقع لك نعمة البنين.
أهذا إذن ما وقع، وكنت منه خلية الذهن؟ ...
ونهضت من مجلسي فمشيت متعثرة مترنحة إلى مخدعي، فاحتبست نفسي فيه، إذ أردت أن أخلو إلى التأمل والتفكير، ولبثت ساعة مستلقية على الفراش أجهد الذهن في تدبر أمري، فكان ينتهي بي في كل مرة مطاف التفكير إلى نتيجة واحدة، وهي أنني لا أستطيع تركه، وليس لي على فراقه يدان ...
لقد كنت أبدا أحب الأطفال، فقد كنت من طفولتي وحيدة في وحشة خلية من الأخ والأخت، فلا غرو إذا كان قد جاء مع فكرة الزواج الشوق الشديد إلى ولادة الولدان، ولذة تربية البنين، ولداننا نحن معا وبنينا سويا، وما أبدع خطيبي أبا، وما أروعه أن يروح بعد الزواج والدا، وكنت على يقين من أن شعوره من هذه الناحية لا يختلف عن شعوري، ولطالما رأيته حانيا على الأطفال، رحيما بالأفراخ الصغار، فلا يرى طفلا في ألم أو وليدا في بكاء، حتى يقف ليسأله ما به ويرقأ دمعه، ويمسح عبرته. وإذا كان ذلك ما سيرتقب مني فهل لي الحق في الزواج به وحرمانه تلك النعمة إلى الأبد؟ ولكن هل في استطاعتي وأنا أجمع الأضالع على هذا الحب العميق له أن أنزوي جانبا لأرى امرأة سواي شاغلة منه مكاني، لا لهفوة هفوتها، ولا لخطأ من صنع يدي، وإنما لحادث لم أستطع له ردا ...!
وحرت في أمري فأجمعت النية على أن أدعه يقطع فيه بالرأي الذي يراه، ونهضت في الحال فذهبت إلى حيث كانت أمي لا تزال جالسة تسائل نفسها: أتراها قد أخطأت في مكاشفتي أم أصابت؟ فقلت وأنا مقبلة عليها، متناولة في يدي يدها: أماه العزيزة، لقد انتويت أن أواجه الحقيقة، فإذا جاء غدا - وفي غد سيصل - فلينبئه أبي أو الطبيب بما جرى، فإذا ظل بعد علمه به يريدني لذات نفسي رضيت به، وإذا رفض فلا لوم عليه ولا تثريب ...
وعشت ليلتي تلك وغدي رهن قلق مستحوذ أليم.
وجاءني أخيرا ... فجمعني بين ذراعيه، وأمسكني مليا لصق صدره، وهمس يقول: أنت وحدك التي أطلب، وأنت مناي الذي أتمنى، أمدركة يا غالية، أنت وحدك، لا بالولد أحفل بجانبك ولا بالبنين ...
وبعد شهر من ذلك التاريخ تم الزواج، وكانت هدية العرس التي أتحفنا بها أبي، قطعة أرض فسيحة في ضاحية قريبة، فذهبنا من مطالع عهدنا الجديد نفرغ قصارى سعينا في بناء البيت والحائط وتجميله من الزهر والثمر بما شاء لنا الذوق الجميل ...
وهنأنا عيشنا في السنين الأولى من زواجنا، حتى خيل لي أن الغمامة التي كانت تنذرنا بأن تغيم في سماء عيشنا الهنيء قد قشعت.
Bog aan la aqoon