Jarmalka Naasiga
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
Noocyada
وفي عام 1935 صدر «قانون وقرار الجنسية وتعيين صفة المواطن»، وقد جاء في هذا القانون ما معناه «أن المواطن في دولة الريخ هو الذي يجري في عروقه الدم الجرماني أو الدم القريب منه، والذي يبين بفضل مسلكه أنه يرغب في خدمة الشعب الألماني ودولة الريخ بأمانة، ويكون صالحا لهذه الخدمة. ولما كان الريخستاج يعتقد تمام الاعتقاد بأن نقاء الجنس الجرماني ضرورة لا غنى عنها لبقاء الأمة الألمانية، ولما كان يحدوه العزم الذي لا يمكن أن يتزعزع للمحافظة على كيانها للأبد؛ لذلك قرر الريخستاج بالإجماع قبول «قانون نورمبرج لصون الجنس والشرف الجرماني» الصادر في سبتمبر 1935. وعلى ذلك يمتنع الزواج بين اليهود والرعايا الذين هم من دم جرماني أو من الدم القريب منه، وكل زواج يعقد بالرغم من وجود هذا القانون يكون لاغيا حتى لو كان هذا الزواج معقودا في الخارج كمحاولة لتجنب آثار هذا القانون ... ولا ينبغي أن يستخدم اليهود في بيوتهم رعايا الريخ الذين هم من دم جرماني أو من دم قريب منه والذين تقل أعمارهم عن خمسة وأربعين عاما، ويمنع اليهود من أن ينشروا علم الريخ أو العلم الوطني أو يظهروا الأعلام القومية. والذين لهم حق التصويت في المسائل السياسية، وشغل الوظائف العامة هم مواطنو الريخ المتمتعون بكامل حقوقهم السياسية ... ولا يمكن أن يكون اليهودي مواطنا في دولة الريخ، وليس له حق التصويت ولا الحق في أن يشغل إحدى الوظائف العامة ...»
وقد أطلق على جميع القوانين والقرارات والأوامر التي أصدرتها السلطات النازية ضد اليهود اسم «قوانين نورمبرج». وفي الفترة التالية، وعلى الخصوص عند اشتداد الحملة الإرهابية على اليهود، أعادت الصحف نشر بعض هذه القوانين، كما نشرت ملخصا كاملا لأهم محتوياتها، ومن ذلك يتبين أن «قوانين نورمبرج» كانت تقضي أولا: بطرد جميع الموظفين غير الآريين من الخدمة العامة، ويدخل في ذلك الموظفون العاديون وإخوانهم من المستخدمين في البلديات، والمدرسون، وأساتذة الجامعات، والقضاة، والمدعون العموميون. وكذلك صدر قانون يمنع المحامين غير الآريين من مزاولة مهنتهم. وكانت تقضي ثانيا: بحرمان الأطباء غير الآريين ثم أطباء الأسنان والجراحين من مزاولة عملهم. وفي قانون جديد حرم غير الآريين من التوظف في المستقبل، كما أن «جبهة العمل» - وهي التي حلت محل النقابات العمالية واتحادات أصحاب العمل - طبقت هي الأخرى هذه القوانين. كما كانت تقضي ثالثا: بحرمان اليهود من التعليم في المدارس والجامعات. ورابعا: بحرمان غير الآريين - اليهود - من العمل في صناعة الأفلام. وخامسا: بعدم السماح لليهود بالانضمام إلى جامعات الوقاية ضد الغارات الجوية. وسادسا: يمنع أي شخص لا يستطيع إثبات انحداره أو انحدار زوجه من أصل آري منذ عام 1800 ميلادية، من وراثة الأرض التي يزرعها. وسابعا: بتحريم العمل في الصحافة على غير الآريين، إلا إذا كانت الصحف التي يعملون بها يهودية صميمة. وثامنا: بمنع جميع أعضاء الحزب النازي من الاختلاط أو الاتصال باليهود، وهذا بناء على قرار أصدره «ردولف هس» نائب هتلر في ذلك الحين. وتاسعا: بقيام وزارة المعارف النازية بنشر قائمة من الكتب التي فرضت استخدامها في المدارس؛ وذلك حتى تعرف الناشئة المسألة اليهودية على حقيقتها، ومن هذه الكتب «بروتوكولات حكماء صهيون» المزورة. وعاشرا: بإصدار قرار من وزير الداخلية يسمح للآريين فقط بدخول امتحانات كلية الطب، كما أصدر الوزير قرارا ثابتا بعدم إعطاء الصيادلة غير الآريين الترخيص اللازم لمزاولة أعمالهم. وأحد عشر: بإصدار قرار يمنع كل من لا يستطيع إثبات انحداره وانحدار زوجه من أصل آري منذ عام 1800 ميلادية من الاشتغال في أعمال الطبع والنشر.
هذه خلاصة «قوانين نورمبرج»، وقد تطرف النازيون في تطبيق تلك القوانين؛ فأصدر الحكام ورؤساء البلديات في المدن المختلفة طائفة من القرارات والأوامر والتعليمات ضد اليهود، وكل ما هو يهودي لدرجة كانت تدعو إلى السخرية في بعض الأحايين، من ذلك: الأمر الذي أصدره رئيس بلدة «كوينجسدورف
Koeingsdorf » في بافاريا في أول أكتوبر 1935، خاصا بالأبقار والماشية المشتراة بطريق مباشر أو غير مباشر من اليهود، فنص هذا الأمر على ضرورة عزل هذه الأبقار والماشية حتى لا تعيش في صعيد واحد مع الثيران التي يملكها غير اليهود. وزيادة على ذلك نص الأمر على أن الأبقار والماشية التي ثبت أنها كانت تعيش في مكان واحد مع أبقار وماشية يملكها يهودي؛ ينبغي وضعها تحت المراقبة لمدة عام بأكمله، وفي أثناء هذه المدة يتحتم عزلها أيضا عن الثيران التي يملكها آريون. •••
وفي مثل هذه الظروف، كان من الطبيعي أن تنتشر في ألمانيا موجة من الاضطهاد العنيف ضد اليهود، واتخذ هذا الاضطهاد أشكالا منوعة على أيدي المتعصبين، وزعانف القوم وأراذلهم، فأخذوا يدنسون مقابر اليهود ومعابدهم، حتى بلغ عدد الحوادث التي من هذا القبيل إلى صيف عام 1932 مائة وتسعة «109»، وأعلن المتعصبون ومن إليهم عزمهم على إحراق معابد اليهود وبيعهم في القريب العاجل. هذا، إلى الضرر الجسيم الذي ألحق بحوانيت اليهود ومخازنهم التجارية. ومن الحوادث المشهورة ما فعله متطرفو النازيين في عيد فصح اليهود عام 1932؛ فقد هاجموا في هذا اليوم في «كورفر تندام» أحد شوارع برلين كل شخص اشتبهوا في أنه ينحدر من جنس سامي. وكان المغيرون - وهم حوالي العشرين - من الشبان صغار السن الذين لا خبرة لهم في مسائل الجنس. واستطاعت هيئة يهودية بعد ذلك أن تنشر قائمة طويلة بحوادث الاعتداء المتكرر على أشخاص اليهود المنفردين. وزيادة على ذلك فقد وجد الصبيان والفتيات الصغيرات تسلية كبيرة في تلطيخ بيوت اليهود وحوانيتهم بالأقذار ورسم الصليب المعقوف - رمز النازية - في كل مكان. ولم يقتصر الأمر على إهانة كبار السن وإيذائهم، بل إن الأطفال اليهود في المدارس لم يسلموا من الاعتداء عليهم، ومن أن يؤذيهم زملاؤهم المسيحيون. وفي كثير من المدن الصغيرة أرغم التجار اليهود إرغاما على ترك متاجرهم ومحالهم ومغادرة القرية أو المدينة التي عاش فيها أجدادهم منذ أجيال طويلة؛ وذلك لشدة الاضطهاد وإحكام المقاطعة. وفي جامعة برلين قرر الطلبة النازيون طرد جميع اليهود. ومع أنه كان من المنتظر أن يجد اليهودي في المحاكم والقضاء وسيلة للوقاية أو الحماية من اعتداء المعتدين، فإن هذه المحاكم لم تجد سببا يسوغ توقيعها العقوبة على ملحقي الأذى؛ لأنها - كما قررت - كانت لا ترى أن استخدام كلمة يهودي في معرض التحقير من شأنه إثارة غضب أحد، وكذلك فإن هذه المحاكم لم تجد مسوغا لتوقيع عقوبة قاسية على كثيرين ممن اشتركوا في حوادث تدنيس مقابر اليهود وبيعهم. وإذاء هذا كله لم يجد عدد من اليهود في صيف 1932 مناصا من الكتابة إلى مستشار دولة الريخ، يسألونه عما إذا كانت الحكومة لا تجد ضرورة لإعطاء المواطنين اليهود الحماية التي من حقهم كمواطنين أن ينتظروها من حكومتهم.
بيد أنه كان في الحقيقة من المتعذر إعطاء اليهود أي ضمان أو وعد بالحماية ضد الاعتداءات المتكررة عليهم؛ إذ كان زعماء الدولة النازية أنفسهم في طليعة منظمي حركة المقاطعة والاضطهاد، وكانوا لا ينفكون يثيرون الخواطر ضد اليهود في كل آن ولحظة منذ ظهرت الوطنية الاشتراكية بشكلها المتطرف الرهيب إلى عالم الوجود؛ فهناك كتاب «كفاحي» مشحون بالمفتريات الكثيرة على اليهود، ولا يقل عنه في ذلك كتاب «ألفرد روزنبرج» عن «أسطورة القرن العشرين». ومن المعروف أن هذين الكتابين من الكتب التي فرض النازيون قراءتها على الشبيبة الجديدة. وهناك خطابات الهر هتلر نفسه، وهو الذي قال منذ عام 1922: «إن اليهود قد أظهروا نبوغا حقيقيا في معرفة كيف يفيدون من ظروف السياسة المتقلبة، حتى صار لهم أنصار ضمن أحزاب اليمين وأحزاب اليسار يعملون جميعا من أجل نشر الفساد في الدولة بشتى الطرق المرذولة.» وهناك كتابات كبار النازيين الآخرين أمثال الأستاذ «هرمان جوش
Hermann Gauch »، والدكتور «كريك
Krieck »، و«والتر داريه
Walther Darré »، و«والتر شارر
Walter Scharrer » وغيرهم، وكلها ملأى بالمطاعن على اليهودية واليهود.
Bog aan la aqoon