Albert Camus: Iskuday Lagu Darsayo Fikirkiisa Falsafadeed
ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي
Noocyada
إنه يقول له: «إلى هنا ولا تزد!» كما يقول له: «إن هناك حدا لا يجوز لإنسان أن يتخطاه.» إنه بالنفي والاحتجاج يؤكد في الوقت نفسه وجود وعي بقيمة، ب «شيء» ما، بجزء من نفسه يريد له أن يحترم؛ أي إنه يؤكد باختصار وجود طبيعة مشتركة بين جميع الناس.
فما هو إذن هذا الحد أو هذا المقياس؟
إن فكرة الحد أو المقياس ينبغي أن تفهم دائما في التحول المستمر، في حركة التمرد الديالكتيكية التي لا ينقطع تيارها؛ فالحد في حقيقته توتر خالص، وتمزق الموجود بين لا مطلقة ونعم مطلقة، بين زهادة في كل شيء وتطرف في كل شيء. إنه صراع مستمر، يحاول العقل على الدوام أن يهدئ منه ويتحكم فيه؛ فبين طرفين متباعدين بلغ عندهما الانفلات من الحد أقصى مداه، بين طلب المستحيل من ناحية والتردي في الهاوية من ناحية أخرى (وهما المحاولتان الأبديتان اللتان لا يستطيع التمرد أن ينتصر عليهما كل الانتصار) نجد فكرة الحد تحاول أن تحافظ على التوازن وتوقظ في الوجدان معنى المقياس. إن فكرة الحد - هذه الثمرة الخالدة التي أهدتها إلينا شجرة الفكر اليوناني، واجتمع فيها كل روحه وكل جوهره - هي التي تحمي التمرد عبر التاريخ الطويل المزدحم بالتهور والتطرف والجنون، وهي التي تبين له النظام والمعيار، وتخلقه في كل لحظة من جديد، وتحرص على ألا يسقط في الانحرافات التي انزلقت إليها الثورات على اختلاف العصور. وإذن ففكرة الحد ليست هي الضد المقابل لفكرة التمرد؛ فكلاهما متعلق بالآخر تعلقا من شأنه أن يجعل فكرة الحد تنبع من جوهر التمرد ولا تحيا إلا به، مثلما أن التمرد هو تمرد لا سبيل إلى تصوره بدون فكرة الحد والمقياس. إن التمرد إما أن يكون تمردا محدودا أو لا يكون.
نستطيع الآن أن نذهب إلى القول بأن التمرد المعتدل المحدود هو الموضوع الحقيقي الذي تدور حوله محاولة كامي الفلسفية الكبرى «المتمرد». إن الهدف منها هو رفض كلا الطرفين المتباعدين اللذين يؤدي العقوق بالديالكتيك الأصلي للتمرد إلى التردي في أخطارهما، ونقصد بهما تأليه الإنسان من ناحية وتشييئه من ناحية أخرى. وهي تهدف بذلك أيضا إلى إنقاذ الإنسان الحقيقي الخلاق، الذي لا يعدو في نهاية المطاف أن يكون الإنسان المتمرد على المحال في صورتيه الميتافيزيقية أو التاريخية.
كلا الطرفين إذن يريد أن يحقق المستحيل في الممكن، والمجرد في الواقع، والمطلق في النسبي؛ فهو إما أن يهدف إلى تحقيق الحرية المطلقة عن طريق تأليه الإنسان، أو إلى تحقيق العدالة المطلقة عن طريق تشييئه.
ولا نستطيع أن ندع هذه الفرصة بغير وقفة قصيرة عند رأي كامي في المطلق؛ فالواقع أنه، وإن كان يرفض النزعة المطلقة بكل ما فيه من قوة، إلا أن المطلق لا يختفي من تفكيره كل الاختفاء، بل إننا نستطيع أن نقول قولا لا يخلو من المفارقة حين نذهب إلى أن المطلق عنده هو النسبي نفسه، الذي يوضع موضع المطلق. والتوتر الحقيقي عنده هو في حقيقته نوع من التوتر الذي يسعى إلى المطلق، الذي يلتمسه في المظهر وفي حدود التجربة الإنسانية الممكنة ذاتها؛ فالموقف المتطرف الذي يرفضه موجود إذن بصورة معكوسة في تفكيره، وكأنه لا يستطيع أن يفلت من قدر الفكر الإنساني الذي يسعى بطبيعته إلى المطلق، سواء في ذلك أأثبته أو نفاه، وكأن الإنسان يأبى بطبيعته إلا أن يكون حيوانا ميتافيزيقيا كما قال القدماء. وبدلا من ذلك المطلق، الذي يعلو فوق الإنسان علوا عموديا، ويطرح في «عالم آخر» سواء كان هذا العالم زمانيا أم مكانيا، نجده يبحث عن النسبي في «الآن» و«الهنا» بحثا لا ينقطع، ويصبغه، دون وعي منه، بالصبغة المطلقة. ولعله في موقفه من المطلق يخلط بوجه عام بين ما هو فلسفي وما هو سياسي، حتى يبدو المطلق في معظم الأحيان أشبه بالدكتاتورية البوليسية التي تميز طابع العصر، والتي لا ينفك يكافحها بكل ما يستطيع.
قلنا إن كامي يرفض الحرية المطلقة؛ فلا وجود عنده لحرية مثالية، يمكن أن نصل إليها ذات يوم على حين فجأة «كما يصل المرء إلى المعاش في آخر حياته.»
91
إنه يؤمن بوجود «حريات» متعددة، على الإنسان أن يغزوها واحدة بعد الأخرى في حرص وأناة. والحريات التي يملكها ليست إلا مراحل لا يمكن بالطبع أن نقف عندها ولا أن نكتفي بها، ولكنها مراحل على الطريق المؤدي إلى التحرر الواقعي الحق.
92
Bog aan la aqoon