ومد واحد يده وزغزغ الذي في جانبه، وانزعج الآخر انزعاجا عظيما، وقفز في الهواء وصرخ، وضحكنا. لم نضحك ضحكا عاديا، متنا من الضحك. ورحنا نزغزغ بعضنا ونموت، وتتقطع أنفاسنا من الشهقات.
وقال واحد لمحمد وهو يلكزه: ورجليها يا محمد، زي رجلينا كده؟
فقال محمد: هي رجليكو دي رجلين، دي قحوفة نخل.
وعاد السائل يسأل: أمال رجليها ازاي؟
فقال محمد: زي الجمار. - زي رجلين صفية الغازية يا وله؟ - صفية مين يا حمار؟ دي ولا تيجي في ضافر رجلها الصغير. - وبطنها يا محمد، داقة عليها سمكة؟ - سمكة إيه يا جدع؟ إيه شغل الفلح ده؟ - أمال داقة إيه؟ - ولا حاجة، هي دي بطن يندق عليها؟ دي زي العجين يا وله. - وكانت حاطة أحمر وأبيض يا محمد. - والله ما خدتش بالي. - ما خدتش بالك ازاي؟ ودي حاجة تتنسي؟ - كانت حاطة. - وبتتكلم بندراوي ولا فلاحي يا محمد؟ - بندراوي مكشكش يا وله.
وهصنا، وطرنا وراء بعضنا، واختفينا من بعض في الأذرة الصيفي، وقد أصبحت المرأة شديدة الوضوح في ذهن كل منا؛ حلوة، تماما كما يريدها الواحد منا؛ ملموسة، وكأنها أمامه، وكأنه قضى معها ليالي كثيرة.
ومضينا ونحن نتدافع ونتجاذب ونسرع، وضحكنا، وتحدثنا، وقهقهنا ونحن نستمع إلى تخميناتنا عن المسافة الباقية على المنصورة؛ واحد يقول ألف ألف متر، وآخر يقول أربع محطات. وتشبعت بنا التخمينات.
وتنبهنا فجأة؛ فلم نجد محمد بيننا.
وكأنما اندكت سكين في قلب كل منا. ودون أن نتعقل أو نتشاور انطلقنا نجري في كل اتجاه لنمسك به. كان قد زال عنا كل شك في صدقه، وتأصل ما قاله في مخيلة كل منا، وحفرت تفاصيله في عقولنا حفرا، وأصبحت المرأة ذات الروب الأحمر والإزازة ليست مجرد امرأة أخرى من اللاتي تعود محمد أن يحكي عنهن، أصبحت امرأة كل منا، يكفي أن يصل إلى المنصورة ويريه محمد بيتها ذا البلكونة الحديدية، ونطلع واحدا وراء الآخر حتى تموت من السعادة وتسر، ويمكن تعطي كلا منا جنيها؛ فالواحد منا ولد، ولد عترة لا يعادله أولاد المنصورة كلها وشربين، وإذا بالخنزير يساهينا ويهرب.
كنا ونحن نجري نصدر الأوامر لبعضنا؛ روح أنت ناحية التابوت، دور تاني بر السكة الحديد، اطلع أنت على الكوبري. وبهذا تفرقنا في شبكة واسعة لا يستطيع كائن من كان أن يهرب منها. وكان الواحد منا لا يملك منع نفسه من التفكير: ماذا لو لم نجد محمد؟ هل نعود إلى بلدنا بأيد وراء وأيد من أمام؟ وكانت إجابتنا جميعا: أن لا، لا، لن نعود. يكفي أن نصل فقط إلى المنصورة؛ إذ لا بد أن نعثر هناك على بغيتنا، لا بد أننا واجدون عشرات من نساء إفرنج بملايات لف، نساء كاللبن يؤكلن أكلا، نساء حلوين يا وله، أحلى من العسل النحل والقشطة. وسمعنا صرخة تأتي من بعيد: أهه يا ولاد، محمد أهه يا ولاد، لقيته.
Bog aan la aqoon