Al-Wajiz fi Fiqh al-Imam al-Shafi'i
الوجيز في فقه الإمام الشافعي
Tifaftire
علي معوض وعادل عبد الموجود
Daabacaha
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1418 AH
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
أوْصلَتْه إلى اليقينِ الَّذِي كَانَ يَنْشُدُه، وإنْ لم يأتِ ذلك عنْده بنَظْمِ دليلٍ، أو ترتيبِ كَلاَمٍ، بل بنُورٍ قذفَهُ اللهُ تعالَى في صدْرِهِ، كما عبر هو بذلك في ((المُنْقِذِ مِنَ الضَّلال).
ويعتبرُ الغَزَّالِيُّ نموذجاً صادقاً للتصوُّف المبنيِّ على الأُسُسِ السليمةِ، والتي قِوَامُها الزهْدُ، والتقوَى، والانشغالُ بتربيَةِ النّفْسِ، وإِصْلاَحِ أمْرِهَا، وأَكْتِسَابها الفضائِلَ الأخلاقيَّة.
أما الدوافعُ الَّتي دفَعَتِ الغَزَّالِيَّ إلَى سلوكِهِ طريقَ الصُّوفيَّة، فهيَ كثيرةٌ، مِنْها نَفْسُهُ الصافيةُ المتوثّة الباحثةُ عن اليقين، وطبيعَتُهُ المتديِّنة، وبيئَتُهُ التي نشأ فيها، وكثرَ فيها المتصوِّفُونَ، وهو يراهُمْ، ويُسمَعُهُمْ، ويَتَصِّلُ بِهِمْ، كلُّ ذلكَ قد تَرَكَ أَثَرَهُ فيه دُونَ شَكّ؛ يُضافُ إلى ذلكَ دراسَتُهُ المؤلّفَاتِ هذا الفَنَّ، وأَطّلاَعُهُ علَى ما كُتِبَ فيه، لشيوخه وأقطابه ولقد بذَلَ الغَزَّاليُّ محاولاتٍ مضنيَةً لتدريب النّفْسِ ورياضتِها، وكُبْحِ جِماح الشَّهَوَاتِ والمَلَذَّات؛ حتى يَصِل إلَى درجة الصوفيّة، أو إلَى لحظةِ التذؤُقِ الصوفيّة، وما يَحْدُثُ فيها من مكاشَفَاتٍ ومُشَاهَدَاتٍ.
وها هو الغَزَّاليُّ يصفُ لنا في ((المُنْقِذِ مِنَ الضَّلَاَلِ)) رياضَتَهُ النَّفْسِيَّة، وما بَذَلَهُ من المجاهَدَاتِ:
((ثم إنِّي لما فَرَغْتُ مِنْ هذه العلومِ، أقبلْتُ بهمَّتي على طريقِ الصوفيّة، وعلمْتُ أن طريقَتَهُمْ إنما تَتِمُّ بِعِلْمٍ وعملٍ، وكان حاصلُ عَمَلِهِمْ فَطْعَ عَقَبَاتِ النّفْسِ، والتنزُّهَ عن أخلاقِها المذمُومَة، وصفاتها الخَبِيثَة، وحتى يتوصَّلَ بها إلَى تخليَةِ القَلْب عن غَيْرِ الله تعالَى، وتَحلِيَتِهِ بذكْرِ اللهِ))، ويقولُ بعد ذلك - رحمه الله -:
((وكانَ العلْمُ أَيْسَرَ علَّي من العَمّل، فابتدأْتُ بتخْصِيلِ عْمِهِمْ من مطالعَةِ كتِهِمْ؛ مثلُ ((قُوتِ القلوب))، لأبي طَالِبِ المَكِّيِّ - رحمه الله -، وكتب ((الحَارِثِ المُحَاسِبِيِّ))، والمتفْرِقَات المأثُورَةِ عن الجُنَيْدِ، والشِّبْلِيِّ، وأبي يَزِيدَ الْبسْطَامِيِّ - قدس الله أرواحَهُمْ - وغير ذلك مِنْ كلامِ مشايخِهِمْ، حتَّى اطلعْتُ علَى كُنْهِ مقاصِدِهِمُ العِلْمِيَّةِ، وحصَّلْتُ ما يمكنُ أنْ يحصلَ من طريقهم بالتعلُّمَ والسَّماعِ، فظَهَرَ لِي أنَّ أخَصَّ خواصِّهِمْ ما لا يمكنُ الوصولُ إِلَيْهِ بالتعلُّم، بل بالذوقِ، والحَالِ، وتبذُّل الصفات).
ويعترف الغزّاليُّ بمدَى تقديره للصوفيَّة واحترامِهِ لها، وأنَّ لها في نفْسِهِ مكانةً عَظيمةً، ومقاماً شريفاً؛ إذ يقولُ عنها:
أنّي علمْتُ يقيناً أنَّ الصوفيَّةَ هم السالكُونَ لطريقِ الله تعالَى خاصَّةً، وأنَّ سيرتهم أحْسَنُ السيّر، وطريقَهُمْ أصوبُ الطُّرُق، وأخلاقَهُمْ أَزْكَى الأخْلَاقِ، بلْ لو جُمِعَ عقلُ العقلاءِ، وحِكْمَةُ الحكماء، وعِلْمُ الواقِفِينَ علَى أسرارِ الشَّرْعِ من العلماء، ليغيِّروا شيئاً من سيرهم وأخلاقِهِمْ، ويُبَدِّلوه بما هُوَ خيْرٌ منه، لم يجدُوا إِلَيْه سبيلاً، فإنَّ جميع حركاتِهِمْ وسكناتِهِمْ، في ظاهِرِهِمْ وباطِنِهِمْ، مقتبَسَةٌ من نُور مشْكَاةِ النبوّةِ، وليس وراءَ نورِ النبؤَّةِ على وجْهِ الأرضِ نُورٌ يُسْتَضاءُ به).
كذلك فإن للصوفيِّ عنْدَهُ خصالاً وصفاتٍ يجبُ أن تتحقَّق فيه؛ حتَّى يبغَى ما يَنْشُدُه، وينالَ السَّعادَةَ التي يَطْلُبُهَا؛ يقولُ الغَزّاليُّ - رضي الله عنه -:
62