Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
Noocyada
فتنة انقطاع الوحي بموت رسول الله ﷺ
ومع كون فتنة موت رسول الله ﷺ وفراقه إلى يوم القيامة فتنة عظيمة ومصيبة هائلة مع كون هذه الفتنة عظيمة إلا أنها لم تكن الفتنة الوحيدة التي مرت بالمسلمين في هذه الأيام الحزينة، فإلى جوار فتنة الموت والفراق كانت هناك فتن أخرى عظيمة.
كانت هناك فتنة انقطاع الوحي، فقد كانت أم أيمن ﵂ تبكي بعد وفاة رسول الله ﷺ، وكانت تعلل ذلك بأنها تبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء، وانقطاع الوحي من السماء لا شك أنه فتنة عظيمة، وجبريل ﵇ لن ينزل على بشر إلى يوم القيامة.
فرسولنا الكريم ﷺ هو خاتم الأنبياء، ولا شك أن البشر سيخطئون كثيرًا ويحتاجون إلى تقويم وإصلاح، فمن سيقوم بذلك؟ عليهم أن يقوموا بذلك بأنفسهم؛ فالمنهج الإسلامي المتكامل أعطى لهم هذه الصلاحيات لإكمال مسيرة الحياة إلى يوم القيامة بدون رسل ولا أنبياء ولا وحي، لكن لا شك أن الفترة التي أعقبت وفاة رسول الله ﷺ كانت تمثل عبئًا ثقيلًا على نفوس الصحابة، وقلقًا بالغًا من أن يفشلوا في حل أمورهم دون وحي، ولا شك أنهم سيختلفون، وسيختلفون كثيرًا، فمن يكون على صواب؟ ومن يكون على خطأ؟ عليهم أن يحكموا بالمنهج المتروك في أيديهم القرآن والسنة.
ولكن ستظل طوائف من المؤمنين تخطئ وهي تظن أنها على صواب، فالوحي كان يفصل في هذه الأمور فصلًا لا يدع مكانًا للريبة، والآن انقطع الوحي.
والرجل في زمن رسول الله ﷺ كان يسير على الأرض، وهو يعلم أنه من أهل الجنة، ويوقن بذلك إذا بشره رسول الله ﷺ، يقينه بما نزل على محمد ﷺ، وتخيل معي كيف يطيق رجل صبرًا أن يسير على الأرض وهو يعلم أنه من أهل الجنة.
هذا الذي جعل عمير بن الحمام في غزوة بدر يلقي بالتمرات لما بشره رسول الله ﷺ بالجنة ويقول: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة.
وبلال بشره رسول الله ﷺ بالجنة، فإذا به على فراش موته سعيدًا؛ لأنه سيموت وغدًا يلقي الأحبة محمدًا وصحبه.
وهكذا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة، وهكذا عبد الله بن مسعود وهكذا خديجة وعائشة وسائر أمهات المؤمنين، وهكذا غيرهم ممن بشرهم رسول الله ﷺ.
أما الآن بعد أن انقطع الوحي فلا أحد يدري أهو من أهل الجنة أم من أهل النار؟ وعجبت لمن يضحك كيف يضحك وهو على يقين من ورود النار، قال ﷿: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم:٧١] ثم هو لا يعلم أيجوز الصراط إلى الجنة أم يسقط في النار.
فرسول الله ﷺ كان يخبرهم عن كثير من أمور الغيب بالوحي، فبشرهم بنصر بدر، وبشرهم بالفتح، وبشرهم بفتح الشام وفارس واليمن، وكان يخبرهم عما كان وعما هو كائن وعما سيكون إلى يوم القيامة، أما الآن بعد انقطاع الوحي فأغلب باب المستقبل لا نعرف منه إلا ما أنبأنا به الرسول ﷺ قبل أن يموت، لكن كم من الأمور سيحدث كنا نتمنى أن نعرف عاقبتها، أترانا سنفوز أم سنخسر، وأحداث العالم كيف ستئول في النهاية.
وهكذا الفرس انتصرت على الروم، والرسول ﷺ يبشر بأن الروم ستنتصر، كما قال ﷿: ﴿ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم:١ - ٤].
وأما الآن فلا نعرف شيئًا على وجه اليقين، نعم ترك لنا رسول الله ﷺ منهاجًا واضحًا من قرآن وسنة نستقرئ به سنن الله في الأرض، ونستنبط به النتائج قبل أن تحدث، لكن ستظل كثير من الأمور معروفة على وجه الظن لا على وجه اليقين، ويقين الوحي لا عودة له حتى تنتهي حياة الأرض وتقوم القيامة.
ولا شك أن هذه الفتنة أذهلت الصحابة، وسيبدأ طريق مليئ بالأشواك، وعليهم أن يعتمدوا على أنفسهم في السير بعد فقد القائد العظيم، والدليل الأمين محمد ﷺ، إذًا كانت هناك فتنة فراق أحب الخلق إلى قلوب الصحابة، وكانت هناك أيضًا فتنة انقطاع الوحي.
6 / 5