Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
Noocyada
موقف أبي بكر الصديق ﵁ عند وفاة رسول الله ﷺ
وبينما هم كذلك إذ جاء الجبل أبو بكر الصديق ﵁ وأرضاه وجازاه خيرًا كثيرًا عما قدمه لأمة المسلمين، جاء الصديق من السنح -منطقة خارج المدينة- بعد أن وصله النبأ هناك، وإن تخيل أحدنا أن صحابيًا سوف يموت حزنًا وهمًا وكمدًا لفراق رسول الله ﷺ فلا شك أننا جميعًا سنقول: إنه الصديق ﵁ وأرضاه، أشد الخلق حبًا لرسول الله ﷺ، وأقرب الرجال إلى قلب رسول الله ﷺ، لا شك أنه قد يخطر ببال الناظر للأحداث أن الصديق سيفعل من علامات الغضب والثورة والانهيار والتصدع ما لم يفعل أحد غيره.
لا شك أنه قد يخطر ببال أحد أنه سيفعل أكثر مما فعل عمر بن الخطاب مثلًا، لكن إنه الصديق أبو بكر ﵁ وأرضاه.
أقبل أبو بكر على فرسه من مسكنه بالسنح ونزل عند مسجد رسول الله ﷺ فلم يكلم الناس، ودخل المسجد، ومنه دخل إلى بيت عائشة ﵂ حيث مات رسول الله ﷺ على صدرها، فتوجه إلى رسول الله ﷺ وهو مغطى بثوب، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله وبكى، عبرات لا بد منها، انحدرت ساخنة حارة على وجنتي الصديق ﵁ وأرضاه لفراق حبيب عمره ودرة قلبه وقرة عينه، ثم قال الصديق وقلبه يتفطر: (بأبي أنت وأمي، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها)، ثم خرج في ثبات عجيب يليق بخير الأمة بعد نبيها ويليق بأول من سيدخل الجنة بعد رسول الله ﷺ من أمته، وكيف يجزع ويخرج عن المنهج وهو الصديق؟ خرج الصديق ﵁ وأرضاه فوجد عمر في ثورته يتكلم مع الناس والناس مكتفون حوله يتمنون أن لو كان كلامه حقًا، وأن رسول الله ﷺ سيعود ثانية كما يقول.
قال الصديق في ثبات ورباطة جأش عجيبة: اجلس يا عمر! لكن عمر قد أذهلته المصيبة فلم يسمع الصديق ﵁ وأرضاه فلم يجلس، وظل على حاله، لكن الناس كانوا قد وجدوا وزير رسول الله ﷺ الأول أبا بكر، فتركوا عمر والتفوا حول الصديق ينتظرون ما يقول.
قال الصديق في فهم عميق وحكمة بالغة: أما بعد: من كان منكم يعبد محمدًا ﷺ فإن محمدًا قد مات، وهذه حقيقة لابد من الاعتراف بها، قال: ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وفي براعة ولباقة وتوفيق قرأ الآية الكريم: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران:١٤٤]، والصديق رجل عجيب، يعيش مع القرآن في كل حركة وفي كل سكنة، فما أروع الاختيار! وما أبلغ الأثر الذي أحدثته الآية الربانية في قلوب الصحابة! يقول ابن عباس ﵄: والله! لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها الناس كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها.
أفاق الناس وبدءوا في البكاء الشديد، وكانت الآية سلوى للمؤمنين وتعزية للصابرين، وجزاءً للشاكرين.
ووصلت الآية إلى أسماع عمر بن الخطاب ﵁، يقول عمر بن الخطاب: والله! ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعثرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، وعلمت أن النبي ﷺ قد مات.
وثبت الله الأمة جميعًا بثبات الصديق ﵁ وأرضاه، وهذه واحدة من أعظم حسناته ﵁ وأرضاه، وما أكثر حسناته ﵁ وأرضاه!
6 / 4