26

Hawi Kabir

الحاوي الكبير

Baare

علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود

Daabacaha

دار الكتب العلمية

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

1419 AH

Goobta Daabacaadda

بيروت

يَنْقُضْهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ أَمْسَكَ عَنْهُ، وَلَوِ اسْتَفْتَى فَقِيهَيْنِ فَأَفْتَاهُ أَحَدُهُمَا بِتَحْلِيلٍ، وَالْآخِرُ بِتَحْرِيمٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بِالْأَخْذِ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، كَمَا كَانَ بِالْخِيَارِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى قَوْلِ أَحَدِهِمَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَأْخُذُ بِأَثْقَلِهِمَا عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ. فَهَذَا مَا فِي تَقْلِيدِ الْعَامِّيِّ لِلْعَالِمِ، ولم يرده الشافعي ﵀ بالنبي عَنْ تَقْلِيدِهِ، فَأَمَّا الْعَالِمُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يقلد عالما فعلى ضربين: أحدهما: أن يرد تَقْلِيدَهُ فِيمَا يُفْتَى بِهِ أَوْ يُحْكَمُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَجَوَّزَهُ أبو حنيفة، وَلِذَلِكَ أَجَازَ لِلْعَامِّيِّ الْقَضَاءَ لِيَسْتَفْتِيَ الْعُلَمَاءَ فِيمَا يَحْكُمُ به، وهذا خطأ، لقوله تعالى: ﴿فاسئلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٧] . فجعل فقد هذا الْعِلْمِ فِي سُؤَالِ أَهْلِ الذِّكْرِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ تَقْلِيدُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ بِأَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ صَاحِبِهِ له، كالمبصرين لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا تَقْلِيدُ صَاحِبِهِ فِي الْقِبْلَةِ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَرُدَّ تَقْلِيدَهُ فِيمَا نَزَلَتْ بِهِ مِنْ حَادِثَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا لِاجْتِهَادِهِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنِ الِاجْتِهَادِ فِيهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَجُوزُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ فِيهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ، وَيَصِيرُ كَالْعَامِّيِّ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِ إِلَى الدَّلَالَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَتَوَصَّلُ إِلَى الْحُكْمِ بِطَرِيقِ النَّظَرِ بِالسُّؤَالِ عَنْ وَجْهِ الدَّلِيلِ فَيَصِلُ بِاجْتِهَادِهِ وَنَظَرِهِ بَعْدَ السُّؤَالِ وَالْكَشْفِ إِلَى حُكْمِ الْحَادِثَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ، فَهَذَا مَا فِي تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ لِلْمُجْتَهِدِ، وَهَذَا الَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ بِالنَّهْيِ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ. فَصْلٌ قَوْلُهُ: " لِيَنْظُرَ فِيهِ لِدِينِهِ " فَالْمَعْنِيُّ بِالنَّاظِرِ هُوَ الْمُرِيدُ، وَالنَّظَرُ ضربان: الأول: نظر مشاهدة بالبصر. والثاني: نَظَرُ فِكْرٍ بِالْقَلْبِ، وَمُرَادُهُ هُوَ الْفِكْرُ بِالْقَلْبِ دُونَ الْمُشَاهَدَةِ بِالْبَصَرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ ينظروا في ملكوت السموات وَالأَرْضِ﴾ [الأعراف: ١٨٥] . يَعْنِي أَفَلَمْ يَتَفَكَّرُوا بِقُلُوبِهِمْ لِيَعْتَبِرُوا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: " لِيَنْظُرَ فِيهِ لِدِينِهِ " تَأْوِيلَانِ عَلَى مَا مَضَى. أَحَدُهُمَا: فِي الْعِلْمِ. وَالثَّانِي: فِي مُخْتَصَرِهِ هَذَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ " لِدِينِهِ " فَلِأَنَّ الْفِقْهَ عِلْمٌ دِينِيٌّ، فَالنَّاظِرُ فِيهِ نَاظِرٌ فِي دِينِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَيَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ ": أَيْ لِيَطْلُبَ الِاحْتِيَاطَ لِنَفْسِهِ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْمَذَاهِبِ فَتَرَكَ التَّقْلِيدَ بطلب الدلالة. والله أعلم.

1 / 33