أَكْمَلَهُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ بِأَنْ يَنْسُبَ إلَيْهِ تَعَالَى عُمُومَ الْمَحَامِدِ عَلَى جِهَةِ الْإِجْمَالِ لِعَجْزِنَا عَنْ التَّفْصِيلِ ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: ١٨] أَيْ: لَا تُطِيقُوا عَدَّهَا وَبُلُوغَ آخِرِهَا " وَأَتَمَّ " مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ نَائِبٌ عَنْ الْمَصْدَرِ (وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ) وَالسَّلَامُ كَائِنٌ (لِلْأَنْجَابِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ نَجِيبٍ وَهُوَ الْكَرِيمُ الْبَيِّنُ النَّجَابَةِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى مِثْلُ مَا مَرَّ (مُحَمَّدٍ وَالْآلِ وَالْأَصْحَابِ) لَهُ بَيَانٌ لِلْأَنْجَابِ وَقَرَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، أَمَّا عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: ٤] أَيْ: لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أُحِبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَرْءُ بَيْنَ خِطْبَتِهِ يَعْنِي بِكَسْرِ الْخَاءِ وَكُلِّ أَمْرٍ طَلَبَهُ غَيْرَهَا حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَأَمَّا عَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ فَتَبَعًا لَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَيَصْدُقُ عَلَى الْأَصْحَابِ فِي قَوْلِ: وَلِأَنَّهَا إذَا طُلِبَتْ عَلَى الْآلِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَعَلَى الصَّحَابَةِ أَوْلَى. وَالصَّلَاةُ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ هِيَ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ وَمِنْ الْآدَمِيِّ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ. وَاخْتَارَ النَّاظِمُ اسْمِيَّةَ جُمْلَتَيْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى فِعْلِيَّتِهِمَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ، وَأَصْلُ الدُّعَاءِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ كَاغْفِرْ لَنَا، وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ تَفَاؤُلًا بِالْإِجَابَةِ.
وَمُحَمَّدٌ عَلَمٌ عَلَى نَبِيِّنَا
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بِأَنْ يُنْسَبَ) أَيْ: عَلَى جِهَةِ الْإِجْمَالِ قَدْ يُقَالُ مِنْ الطَّاقَةِ وَهُوَ الْحَمْدُ مِنْ هَذَا نِسْبَةُ الْبَعْضِ تَفْصِيلًا أَيْضًا بِأَنْ يُنْسَبَ مَقْدُورُهُ مِنْ التَّفْصِيلِ مَعَ نِسْبَةِ الْعُمُومِ إجْمَالًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعُدُّوا إلَخْ) يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْعَجْزِ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْ الْحَمْدَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: نِعْمَةَ اللَّهِ) فَالْحَامِدُ عَاجِزٌ عَنْ تَفْصِيلِ الْمَحَامِدِ الْمُقَابِلَةِ لِلنِّعَمِ وَكَذَا غَيْرُ الْمُقَابِلَةِ لَهَا لِعَجْزٍ عَنْ تَفْصِيلِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ إلَخْ) إنْ جُعِلَتْ خَبَرِيَّةً مَعْنًى أَيْضًا كَمَا قِيلَ بِهِ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِهَا مُجَرَّدَ الثَّنَاءِ فَقَدْ يُشْكِلُ تَخْصِيصُ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ. بِالْمَذْكُورِينَ لِإِخْرَاجِهِ بَقِيَّةَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ ﵊ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ الْأَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ لِلْمَجْمُوعِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ الْأَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ مَا لَهُ ﵇ وَإِنْ جُعِلَتْ إنْشَائِيَّةً كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمَشْهُورُ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ حِينَئِذٍ سُؤَالُ حُصُولِ الْأَفْضَلِ لِلْمَذْكُورِينَ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِهِمْ وَإِخْرَاجَ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا إشْكَالَ فِي عَطْفِهَا عَلَى جُمْلَةِ الْحَمْدِ وَإِنْ جُعِلَتْ إنْشَائِيَّةً وَهَذِهِ خَبَرِيَّةً؛ لِأَنَّ لِتِلْكَ مَحَلًّا مِنْ الْإِعْرَابِ فَيَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَيْهَا وَإِنْ تَخَالَفَا إنْشَاءً وَخَبَرًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ فَإِنْ قُلْت: يَرِدُ عَلَى الْجَوَابِ السَّابِقِ عَنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْآلِ وَالْأَصْحَابِ لَغْوًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ لَمْ يَحْصُلْ إنْشَاءٌ وَلَا إخْبَارٌ مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ قُلْت: يُمْكِنُ دَفْعُ هَذَا بِأَنْ يُرَادَ بِالْأَفْضَلِ مَجْمُوعُ الْفَرْدِ الْمُخْتَصِّ بِهِ ﵊ وَالْفَرْدِ الَّذِي لِآلِهِ وَأَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُ الْحَصْرِ إضَافِيًّا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ وَالْمُرَادُ التَّخْصِيصُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَا الْأَنْبِيَاءَ فَلَا إشْكَالَ فَتَدَبَّرْ سم.
(قَوْلُهُ: وَالْأَصْحَابِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْآلِ. (قَوْلُهُ: لَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِالْآلِ وَالْأَصْحَابِ. (قَوْلُهُ: لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي) أَيْ: فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ كَالْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ بِرّ. (قَوْلُهُ: فَتَبَعًا لَهُ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ: هَلْ الْمَشْرُوطُ التَّبَعِيَّةُ مَعْنًى فَقَطْ أَمْ لَفْظًا أَيْضًا؟ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَيْرَهُمْ وَلَوْ مُنْفَرِدًا عَنْهُمْ كَهُمْ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلَ الْمَتْنِ الْآتِيَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ بِلَا صَلَاةٍ فَهِيَ لَا تَحْسُنُ لَك وَلَا عَلَى غَيْرِ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ إلَّا تَبَعًا اهـ. أَقُولُ: الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ التَّبَعِيَّةِ لَفْظًا. (قَوْلُهُ: فِي قَوْلٍ) هُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّ آلَهُ أُمَّتُهُ بِرّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَسْمِيَةِ اسْتِغْفَارِهِمْ صَلَاةً إتْيَانُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ خُصُوصِ مَادَّةِ الِاسْتِغْفَارِ بَلْ الْمُشْتَرَطُ ذَلِكَ أَوْ مَا يَئُولُ لِمَعْنَاهُ كَارْحَمْ وَاعْفُ وَلَا تُؤَاخِذْ يَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ سَيِّدِ الْبَشَرِ ﷺ «فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» بِرّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْآدَمِيِّ) أَيْ: وَالْجِنِّ. (قَوْلُهُ: وَالدَّوَامِ) يُتَأَمَّلُ الْمُرَادُ فَقَدْ يُقَالُ: الْجُمْلَةُ إنْشَائِيَّةٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَإِنْ أُرِيدَ دَوَامُ الْإِنْشَاءِ أَوْ الْمَنْشَأِ كَالثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ فَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ أَوْ مُتَعَلِّقُ الْمَنْشَأِ كَالِاتِّصَافِ بِالْجَمِيلِ فَدَوَامُ ذَلِكَ إنَّمَا يُسْتَفَادُ بِطَرِيقِ الْإِخْبَارِ وَالْغَرَضُ الْإِنْشَاءُ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ إنْشَاءُ نِسْبَةِ الِاتِّصَافِ بِالْجُمَلِ عَلَى الدَّوَامِ بِأَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ الِاتِّصَافُ كَذَلِكَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَصْدَ الْإِنْشَاءِ يُنَافِي إفَادَةَ الْجُمْلَةِ الدَّوَامَ. (قَوْلُهُ: بِلَفْظِ الْخَبَرِ) كَمَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ إلَخْ.
ــ
[حاشية الشربيني]
وَلَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ أَبْلَغُ مِنْ حَمْدِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ مِنْ إجْمَالَاتِ الْحَمْدِ عَلَى مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ اهـ. (قَوْلُهُ: اسْمِيَّةَ جُمْلَتَيْ الْحَمْدِ إلَخْ) سَوَاءٌ قُدِّرَ الْمُتَعَلِّقُ اسْمَ فَاعِلٍ أَوْ فِعْلًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا نَمْنَعُ كَوْنَ اسْمِ الْفَاعِلِ لِلْحُدُوثِ وَلَا يَضُرُّهُ الْعَمَلُ فِي الظُّرُوفِ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِيهِ رَائِحَةُ الْفِعْلِ فَيَكُونُ عَامِلًا وَهُوَ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الِاسْمِيَّةَ الَّتِي خَبَرُهَا فِعْلٌ إنَّمَا تُفِيدُ التَّجَدُّدَ إذَا لَمْ يُوجَدْ دَاعٍ إلَى الدَّوَامِ كَالْعُدُولِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الْمَقَامِ. اهـ. عَمِيرَةُ بِزِيَادَةٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى الثَّبَاتِ) أَيْ: لَا التَّجَدُّدِ وَهُوَ الْحُدُوثُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ. (قَوْلُهُ: وَالدَّوَامِ) أَيْ: بِوَاسِطَةِ الْعُدُولِ
1 / 6