وكانت مكتوبة في سابق علمه لهم على شرط، وهو أن يطيعوه في دخولها، فلما عصوه حرمها عليهم. وقد تواترت الأخبار بأن الصدقة ترد القضاء، وأن برد الوالدين يزيد في العمر، وأشباه هذا. وإنما ذلك فيما هو من علم الله سبحانه معلق بشرط عنده، وقد ذكرنا هذا في كتاب الإيضاح عند ذكرنا لله ﷿ فيه من المشيئة بما أغنى عن إعادته. ولعل من لم يقو تمييزه، ويكمل عقله يسوء بربه - سبحانه - إذا دعاه فلم يستجب له، ويتوهم أن ذلك بخلف وقع من الله - سبحانه - في وعده، أو تهاون بدعاء عبده، وليس الأمر كذلك، لكن هاهنا سر في الدعاء فيه تنبيه لكثير من الناس على رشدهم، وهو أن كل أحد مجبول على أن يهيئ لنفسه أعلى المنازل وأشرف المراتب، فهو لا يسأل الله تعالى إلا على قدر تمنيه وشهوته، ولو أعطى الله ﷿ كل أحد ما يشاء كان الناس جميعًا على أعلى طبقة، وأشرف منزلة، ولو صار الناس على هذا يومًا واحدًا لاستغنى بعضهم عن بعض، ولو استغنى بعضهم عن بعض ما ترافدوا ولا تعاونوا، ولو لم يترافدوا ويتعاونوا لبطلت الحكمة في سياستهم، ودخل الخلل والإضاعة على جماعتهم، لأن الصناع والتجار والمهان كانوا يصرفون عن صنائعهم وتجاراتهم ومهنهم ويستغنون عنها، فيبقى كل واحد من الناس بغير معين، وإذا لحق ذلك كل واحد منهم دخل عليه من الضرر في نفسه وأهله وماله وولده ما لا بقاء معه، ولا صلاح بمده، فإذا دعوت الله سبحانه فاعلم أنك تدعو حكيمًا يسوس الخلق، ويدبرهم بحكمته، والحكيم لا يعطيك في نفسك، وأنت جزء