173

Al-Burhan fi Wujuh al-Bayan

البرهان في وجوه البيان

Baare

د. حفني محمد شرف (أستاذ البلاغة، والنقد الأدبي المساعد - كلية دار العلوم، جامعة القاهرة)

Daabacaha

مكتبة الشباب (القاهرة)

Goobta Daabacaadda

مطبعة الرسالة

Noocyada

ولذلك قال الله ﷿: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ﴾ فإن من دعا ربه، فقد أطاع أمره، وعرف قدره لأن الله سبحانه بذلك أمره حيث يقول: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾. قال قائل: فإذا كان الله ﷿ قد قدر الأشياء تقديرًا واحدًا، وعلم ما يكون منها، وكان غير جائز أن يقع شيء بخلاف ما علم منه، فما معنى الدعاء؟ ! وقد فرغ الله ﷿ مما يدعو فيه. قلنا: لو كانت الأشياء السابقة في علم الله محتومة كلها لكان ما قلت، ولم يكن لدعاء موقع، ولا للاستجابة موضع، لكن الله تعالى علمين: أحدهما محتوم، والآخر موقوف على شرط، وبذلك نطق كتابة، فقال: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾، والمحتوم لا يتأخر عن وقته، كما قال سبحانه: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾، والآخر الموقوف على الشرط هو الذي يدفع مكروهه بالدعاء والصدقة والبر، ويغير مرجوه بمثل ذلك، وبالإنابة والتوبة، وهو الذي يقول [فيه] الله ﷿: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ وفيه يقول: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ ومثله مما قد قص علينا في القرآن قوله: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾

1 / 220