قال: «طرأت أشياء كثيرة، أساء ابن طولون بها إلينا وبالغ في اضطهادنا بما لم يسبق إلى مثله سلفاؤه الذين كنا نسمع بظلمهم ونشكو جورهم، ولكنه لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه، إن الشر جاء من عندنا، جاء من أبنائنا، هم الذين ساقوا هذا البلاء علينا.» قال ذلك ولحيته ترقص غضبا وحنقا.
فتهيب زكريا ولم يجسر على الاستيضاح، فاستأنف البطريرك الكلام قائلا كأنه يريد تغيير الموضوع: «كيف أتيت إلى هذا المكان؟ هل أتيت وحدك؟»
قال: «نعم يا سيدي.» وتذكر ما جرى له وما أصاب الراهبين وأحمالهما، فتحقق أن لحادثتهما علاقة بما يشير البطريرك إليه، فقال: «اصطحبت ركبا كانوا قادمين بأحمال المئونة إلى الدير.»
فقطع البطريرك كلامه قائلا: «وماذا جرى لهم؟ أين هم؟»
فقص عليه حديثهم، ولما ذكر كلام الهجان عن تغير ابن طولون على الأقباط قطع البطريرك كلامه قائلا: «ويلاه، آه، يا ربي ومخلصي، لماذا غيرت قلوب حكامنا علينا؟»
فازداد زكريا رغبة في معرفة الحقيقة، فقال: «وما الذي جرى يا سيدي، لقد بلبلت بالي.»
قال: «ماذا أقول لك وقد بعث إلي ابن طولون بالأمس يطلب مالا، ذكر أنه في حاجة إليه ليرسله إلى الخليفة في بغداد.» ومد البطريرك يده إلى جيبه وأخرج درجا فتحه وقال: «هل تقرأ القبطية؟»
قال: «نعم يا سيدي أقرأها.»
فدفع الدرج إليه وقال: «اقرأ.»
فتناوله زكريا، وقرأ فيه ما ترجمته: «إنك تعلم أن علينا تأدية أموال الجزية إلى خزانة الخليفة ببغداد صاحب هذه الديار، وقد اشتدت حاجته الآن إلى المال ليقوم بنفقات الحرب التي هو فيها، فمن كان في مركزك أيها البطريرك لا يحتاج إلى أكثر من نفقات الطعام واللباس. وقد علمت أنك ذو ثروة طائلة موفورة، من نقود وآنية وأنواع الأقمشة الحريرية، فكتبت هذا إليك لتبعث إلينا بما نرسله إلى الخليفة فتحظى مني ومنه بسنة جزيلة.»
Bog aan la aqoon