قال: «غريب قاصد زيارتكم لتقبيل أنامل البطريرك والتبرك بصاحب هذا الدير.»
قال: «هل أنت وحدك؟»
قال: «نعم يا أخي، ألا تفتح لي؟»
قال: «إن فتح الباب يقتضينا مشقة كبيرة لإزاحة الحجرين من الخارج والأحجار التي وراءه من الداخل، فالأوفق - على ما أرى - أن ندلي لك حبلا ونرفعك بالبكرة.»
قال: «كما تشاء.»
فمضى الراهب ثم عاد وأدلى له حبلا تشبث به، فأدار الراهب بكرة كبكرة البئر، فصعد زكريا حتى بلغ أعلى السور، فسلم على الراهب ونزلا من وراء الباب وقد تغطى معظمه بالحجار الضخمة التي دعموا الباب بها، وربما زاد وزنها على عشرات القناطير. فاستغرب زكريا ذلك الحذر؛ لأن ثقل هذه الأثقال يقتضي وقتا ومشقة، فقال: «أراكم قد أكثرتم من الدعائم للباب كأنكم في حصار.»
قال: «لم نفعل ذلك إلا في هذين اليومين لأسباب ستعلمها. تعال الآن إلى غرفة الأضياف وغدا نعرض أمرك على الرئيس.»
ومشى الراهب أمامه بالمصباح بين نخلات تناطح السحاب حتى أدخله غرفة معدة للأضياف وقد أخذ التعب منه مأخذا عظيما فصلى فرضه ونام.
ودير أبي مقار مكون من السور الذي ذكرناه، ومن خمسة أبنية: ثلاث كنائس وبناء لسكن الرهبان وقضاء حوائجهم؛ من إعداد الطعام وتناوله، وبرج عال يقال له القصر وفيه ذخائر الدير من الكتب أو الآنية القديمة، ويتخلل هذه الأبنية نخيل وبعض المغروسات التي يحتاجون إليها في إصلاح الطعام.
والكنائس المشار إليها هي: كنيسة أبي مقار على اسم صاحب الدير وكنيسة الشيوخ وكنيسة أبسخرون. أما البناء الذي فيه مساكن الرهبان ففيه دار واسعة، تحيط بها غرف بعضها للنوم وفيها غرفة مستطيلة للطعام وحجرة كبيرة للطحن وأخرى للخبز وأخرى للطبخ. أما القصر فإنه مؤلف من طبقتين: السفلى أقبية معقودة فيها خزائن الكتب أو غيرها من الذخائر الثمينة كالألبسة أو التيجان أو الصلبان ونحوها ومخازن المئونة للزيت والحنطة، وفيها منافذ سرية يلجأ إليها الرهبان عند الخطر العظيم إذا أخذ ديرهم.
Bog aan la aqoon