أما زكريا فلم يستطع كتمان فرحه ، فتقدم حتى وقف إلى جانب سعيد، فلفت انتباه ابن طولون وظنه يتصدر لينال الجائزة، فقال: «والفضل فيما نلت من توفيق لهذا النوبي الشيخ - بارك الله فيه.»
فالتفت سعيد إلى زكريا، فرآه ينظر إليه ويضحك، فعرفه وخفق قلبه لذكرى دميانة وبانت البغتة في محياه، وخاف أن يلحظها ابن طولون فاستأذنه في الخروج فقال له: «تخرج إلى دار الأضياف وسنأمر لك بقصر تقيم به ولا يؤذن في خروجك من القطائع؛ لأن وجودك بها يهمنا كثيرا وإذا شئت أن تأتي بأهلك فيقيمون معك فافعل.» والتفت إلى زكريا وقال: «إنك صاحب فضل يا عم. بورك فيك. سل ما تشاء.»
قال: «لا أسأل إلا أن يكون مولاي موفقا. وقد انشرح صدري لظهور الحق ويكفيني ذلك.»
فقال: «ولكنه لا يكفينا نحن.» وصفق، فجاء الغلام فأمر له بجائزة، فدعا له وخرج وهو يعلم أن سعيدا يود مقابلته قبل الانصراف، فانتظره حتى خرج.
فلما رآه سعيد أسرع إليه وسأله عن حال دميانة، فقص عليه ما جرى لها وما قاسته من عناد أبيها وما كان من أمر إسطفانوس وأنها الآن في حلوان تنتظر رجوعه.
وكان سعيد يسمع حديثه وهو يكاد يتميز من الغيظ، فقال: «تبا لذلك الخائن النذل كأنه يثأر لنفسه بعد اللطمة التي نالها ليلة عيد الشهيد، وكان يحسن به أن يظهر نفسه ولكنه لئيم جبان، وقد واطأه مرقس على ابنته وهو جاهل لا يعرف ما ينفعه ولا ما يضره، فالحمد لله على رد كيدهم إلى نحورهم فاذهب إلى دميانة وبشرها بالفرج. وقل لها: إن ذلك الغر سينال جزاء فعلته قريبا، وكم أود أن أذهب معك لأراها. ولكن ابن طولون لا يأذن في خروجي من قصره كما سمعت على أنني سأسعى لزيارتها في وقت آخر وآتي بها تقيم معي بالقصر الذي وهبه لي الوالي بعد أن أعده لاستقبالها ونقيم فروض الإكليل.»
فودعه زكريا وهم بالذهاب فرأى غلام ابن طولون واقفا ينتظره ليأخذه إلى الكاتب ليعطيه رفده، ولم يخط خطوتين نحو باب القصر حتى رأى إسطفانوس قد برز له من وراء الباب ووقف وجعل ينظر إلى زكريا ويتفرس فيه ولسان حاله يقول «قد عرفتك.» ولم يره مع سعيد بعد أن علم برضا ابن طولون عنه وإكرامه إياه لأسرع إلى القبض عليه يتهمه بالسرقة لكنه خاف سعيدا وتذكر ليلة عيد الشهيد فكظم غيظه.
ونظر إليه زكريا نظرة المعتز بالفوز ومشى لا يبالي، ولولا رغبته في الإسراع إلى دميانة لشكاه إلى ابن طولون رغم نفوذ أبيه. فاكتفى بأن نظر إليه شزرا وتحول يقصد حلوان وقد مالت الشمس عن خط الهاجرة وهو يسرع تلهفا لرؤية دميانة وتبشيرها بما ناله من الفوز والفرح.
ولم يكد يتوسط الطريق إلى «طره» حتى رأى الناس يهرعون ركضا إلى القطائع وفيهم النساء والأطفال كأنهم فارون من قتال. فسأل بعضهم عن هذا الفرار فقالوا: «إن البجة سطوا على حلوان ونهبوها.»
فقال: «ومتى كان ذلك؟»
Bog aan la aqoon