قال: «دعواي على هذا النوبي، فقد عرفت عنه انه تآمر على سلامة ولي أمير المؤمنين مولانا الأمير مع هذا المهندس الفرغاني.»
فالتفت ابن طولون إلى سعيد، وتفرس فيه كأنه يعاتبه فرآه مطمئن البال لم يتغير، فأمر ابن طولون كاتبه أن يدون دعوى المعلم مرقس، ثم قال له: «اشرح لنا أولا دعواك على هذا الرجل.» وأشار إلى زكريا.
قال: «إنه كان خادما في منزلي، فاختلس أثناء غيابي عن طاء النمل كثيرا من نقودي وأوراقي، ومن بينها أسطوانة فيها أوراق مختومة لا يجوز فتحها.»
فالتفت ابن طولون إلى زكريا، فرآه مطرقا متأدبا، فقال: «ما تقول يا رجل؟»
قال: «أنا أعترف يا مولاي أني سرقت من منزله هذه الأسطوانة - وأخرجها من جيبه - ولم أسرق شيئا آخر، ولا أظنه يستطيع إثبات السرقة علي.»
فلما رأى مرقس الأسطوانة في يد زكريا تقدم ومد يده ليأخذها منه، فامتنع زكريا ودفعها إلى ابن طولون، وقال: «إن لهذه الأسطوانة حديثا سنصل إليه في أثناء الدفاع، فلتبق مع مولانا الأمير.»
فرجع مرقس مدحورا وازداد حنقا فقال ابن طولون: «وماذا تعلم من دسائس هذا النوبي علينا؟»
قال: «لما سرق الأسطوانة وغيرها من منزلي فر إلى دير أبي مقار فأرسلت في أثره رجلا تعقبه، فعلم أنه حمل كتابا من البطريرك ميخائيل إلى ملك النوبة؛ جوابا على كتاب جاء من ذاك يحرضه فيه على السعي في إخراج مصر من حكم المسلمين وإرجاعها إلى ملك الروم.»
فلما سمع ابن طولون الشكوى مال إلى تصديقها؛ لأنه كان قد سمع بشيء من هذه الوقائع من قبل، فأراد أن يكون نقاشها بحضور البطريرك نفسه، فقال: «علمت أن البطريرك ميخائيل جاء الفسطاط بالأمس والأولى بنا إحضاره؛ ليكون الكلام في وجهه.» وصفق فجاء غلام أمره أن يدعو البطريرك ميخائيل إلى الجلسة لتأدية الشهادة.
فتقدم زكريا عند ذلك، وقال: «لا يزال بعض المدعى عليهم غائبين، فإذا رأى مولانا أن يستقدم الباقين فعل.»
Bog aan la aqoon