قال: «وأين هي الآن؟»
فنظر إليه جادا، وقال: «اصبر يا سيدي حتى أخرج من السجن، وعند ذلك أجمعك بدميانة ، وهذه هي الأسطوانة.» وأخرج الكيس من تحت إبطه، ثم أخرج منه الأسطوانة والكتاب، وقال: «هذه الأسطوانة التي أخبرتك عنها، وهذا هو كتاب البطريرك ميخائيل إلى الملك النوبة، فاحتفظ بهما.»
فتناول سعيد الأسطوانة وأخذ يقلبها بيده، وهي مختومة، وتناول الكتاب، وبينما هو يقلبه سمع دبدبة في صحن منزله وعلا صياح الخدم يستغيثون، فخرج ليعلم السبب، فرأى شرذمة من الجند دخلوا المنزل، وقال رئيسهم: «هذا هو اللص، أمسكوه.» وأشار إلى زكريا وأكب على الأسطوانة وأراد أن يخطفها من يد سعيد، وقال: «وهذه هي الأوراق المسروقة.» فقبض سعيد على الأسطوانة وجذبها إليه. وعرف أن الرجل الذي يكلمه إسطفانوس فانتهره قائلا: «اذهب في سبيلك يا غلام وقف عند حدك.»
فصاح أحد الجنود قائلا: «أتينا بأمر الوالي للقبض على هذا السجين الهارب وما معه، وهذه الأسطوانة وهذا الكتاب كانا معه، فينبغي أن نأخذهما ونأخذه إلى السجن، وفي صباح الغد ينظر الوالي في أمره.»
فقال سعيد: «خذوا الرجل إلى سجنه، وأما هذه الأشياء فتبقى عندي حتى أضعها بين يدي الوالي أو القاضي.»
فصاح إسطفانوس: «بل نأخذها الآن وإن أبيت وعصيت فإن هذا الجند يأخذونك أنت أيضا إلى السجن؛ فقد تواطأت مع السارق على الخروج من السجن، وساعدته على إخفاء السرقة.»
وقبل أن يتم كلامه رفسه سعيد فألقاه في الخارج وصاح برجال قصره أن يخرجوه من المنزل، والتفت إلى عريف الجند وقال: «لا يغرنك كلام هذا الغر، وأصغ إلى ما أقوله لك. كنت عازما أن أسلم السجين إليكم تأخذونه إلى سجنه، وقد رأيت الآن أن أحتفظ به عندي، فمن كان له عليه طلب فليطلبه مني.»
فتهرب العريف سعيدا، وخرج ومعه إسطفانوس يصيح ويهدد ويتوعد، ولما صار خارج البيت قال العريف: «اشهدوا أن اللص وما سرق عند صاحب هذا القصر.»
وكان مرقس قد أخبر إسطفانوس بسرقة الأسطوانة، وأفهمه أنها إذا وقعت في يد دميانة قضت على ثروته ومستقبله، فأخذ إسطفانوس يراقب حركات زكريا والذين حوله، فعلم بمجيء سعيد إليه وبالإذن في خروجه، لكنه لم يره ساعة الخروج وإنما علم أنه برح السجن على أن يعود إليه بعد أن يمر ببيت سعيد، فاستخدم اسم أبيه بغير علمه، وأعد شرذمة من الجند ترابط قرب بيت سعيد، وقال لهم: «إذا دخل زكريا المنزل فاقبضوا عليه، واتهموا سعيدا بالاشتراك معه.» وسار هو معهم؛ لعله يتمكن من خطف الأسطوانة. وقد أخرج هذا التدبير إلى حيز الفعل، لكنه لم ينجح في أخذ الأسطوانة والسجين، ورجع مخذولا يتميز غيظا، وسار توا إلى مرقس، وقص عليه ما جرى واستحثه على الشكوى من سعيد؛ لأنه خالف القوانين بإخراج اللص من السجن، ورفض تسليمه إلى الجند؛ ولأنه - فوق ذلك - تواطأ مع البطريرك ميخائيل على مساعدة ملك النوبة في إخراج مصر من أيدي المسلمين وإرجاعها إلى ملك الروم، وكتاب هذا البطريرك إلى ملك النوبة موجود مع الأسطوانة عند سعيد.
فركب مرقس في اليوم التالي إلى القطائع، وطلب الدخول على المعلم حنا كاتب المارداني والد إسطفانوس، فسلم عليه ثم قص عليه أمره، وطلب إليه أن يساعده في حمل الوالي على الاقتصاص من سعيد؛ لجرأته على إنقاذ السارق وإخفاء السرقة.
Bog aan la aqoon