Riyooyinkii Aabbahay: Sheeko Hiddo iyo Dhaxal
أحلام من أبي: قصة عرق وإرث
Noocyada
ولم تكن هناك سوى مشكلة واحدة؛ أن أبي لم يكن موجودا. لقد ترك الجنة، ولم يكن شيء مما أخبرتني به أمي أو جدي وجدتي بإمكانه أن يلغي هذه الحقيقة الواضحة. وقصصهم لم تخبرني لماذا رحل. ولم يستطيعوا أن يصفوا كيف كانت ستبدو الأمور إذا لم يرحل. وعلى غرار الحارس السيد ريد أو الفتاة السوداء التي أثارت الغبار وهي تقطع أحد طرق تكساس مسرعة، أصبح والدي مجرد شخصية في قصة يرويها شخص ما. شخصية جذابة - شخص غريب قلبه من ذهب، الغريب الغامض الذي ينقذ المدينة ويفوز بالفتاة - ولكنه لا يزال شخصية في قصة مع ذلك.
إنني لا ألوم حقا والدتي أو جدي على هذا. فربما كان والدي يفضل الصورة التي رسموها له، بل ربما كان مشتركا في تصويرها. فهو يظهر، في مقال نشر في صحيفة «هونولولو ستار-بوليتين» عند تخرجه، شخصا متحفظا ومسئولا، في صورة الطالب النموذجي سفير قارته، وينتقد الجامعة بلباقة لأنها تحشد الطلاب الزائرين في مبنى خاص ملحق بالجامعة وتجبرهم على حضور برامج دراسية مصممة لتعزيز التفاهم الثقافي، وقال إن هذا يشتت انتباهه عن التدريب العملي الذي يسعى إليه. ومع أنه لم يتعرض شخصيا لأية مشكلات، فقد لاحظ أن البعض يعزلون أنفسهم عمن حولهم وأن هناك تمييزا عنصريا واضحا بين الجماعات العرقية المختلفة، وعبر بمرح ساخر عن حقيقة أن «القوقازيين» في هاواي يتعرضون أحيانا للتحيز. لكن إذا كان تقييمه يعبر عن بصيرة نافذة نسبيا، فقد كان حريصا على أن ينهي حديثه بملحوظة إيجابية؛ إذ قال إن أحد الأشياء التي يمكن أن تتعلمها الأمم الأخرى من هاواي هي استعداد الأجناس للعمل معا من أجل تحقيق التنمية المشتركة، وهو سلوك وجد المواطنين البيض في أماكن أخرى غير مستعدين للقيام به في معظم الأحيان.
اكتشفت وجود هذه المقالة مطوية بين شهادة ميلادي واستمارات تطعيم قديمة، عندما كنت في المدرسة الثانوية. كانت قصاصة صغيرة بها صورة له، دون ذكر لأمي أو لي، وتركت أنا لأتساءل عما إذا كان الحذف متعمدا من جانب أبي، استعدادا لرحيله الطويل. وربما لم يطرح الصحفي عليه أسئلة شخصية خوفا من أسلوب أبي المتعجرف، أو ربما كان الأمر قرارا من مجلس تحرير الصحيفة بصفته ليس جزءا من القصة البسيطة التي كانوا يبحثون عنها. وأتساءل أيضا هل سبب ذلك الحذف شجارا بين أبوي.
في ذلك الوقت ما كنت سأعرف لأني كنت أصغر سنا من أن أدرك أنه كان من المفترض أن يكون لي أب يعيش معي، بالضبط كما كنت أصغر من أن أعرف أني بحاجة لأن يكون لي عرق. ولفترة قصيرة للغاية بدا أن أبي قد سقط تحت تأثير التعويذة التي سقط تحت تأثيرها أمي وجداي، وحتى عندما كسرت تلك التعويذة، واستعادت العوالم - التي ظنوا أنهم تركوها خلفهم - سيطرتها عليهم، شغلت أنا المكان الذي كانت تحتله أحلامهم في السنوات الست الأولى من حياتي.
الفصل الثاني
كان الطريق إلى السفارة مختنقا بحركة المرور؛ السيارات، والدراجات البخارية، وعربات الأجرة الصغيرة التي تسير على ثلاث عجلات (ريكشا)، والحافلات الكبيرة والصغيرة التي تحمل ضعف سعتها من الركاب؛ موكب من العجلات والأذرع والسيقان، كل يحارب ليجد لنفسه مكانا أثناء قيظ ما بعد الظهيرة. استطعنا أن نشق طريقنا بضعة أقدام إلى الأمام، ثم توقفنا. ووجدنا مخرجا ننفذ منه ثم توقفنا مرة أخرى، ولوح سائق سيارة الأجرة التي نستقلها مبعدا مجموعة من الصبية الذين كانوا يبيعون اللبان والسجائر المفردة، وكاد أن يصطدم بدراجة بخارية تحمل عائلة كاملة على ظهرها؛ أبا وأما وابنا وابنة، مالوا جميعا معا كأنهم شخص واحد عند أحد المنعطفات، وكانوا يكممون أفواههم بمناديل للتخفيف من تأثير العوادم عليهم جعلتهم يبدون كعائلة من قطاع الطرق. وعلى جانب الطريق كانت مجموعة من النساء السمراوات ذوات البشرة الذابلة يلففن حول أجسادهن رداء بنيا باهت اللون يرتبن في أكوام سلالا من القش ممتلئة بفاكهة ناضجة، وميكانيكيان يجلسان أمام مرأب في الهواء الطلق، ويهشان الذباب بخمول وهما يفككان محركا. ومن خلفهما تنحدر بعض أجزاء التربة الطينية لتصبح مقلبا للنفايات المحترقة حيث كان طفلان مستديرا الرأس يطاردان بجنون دجاجة سوداء هزيلة. وانزلق الطفلان في الوحل وقشر الذرة وأوراق شجر الموز، يصرخان في سعادة حتى اختفيا في الطريق القذر خلفهما.
وما إن وصلنا إلى الطريق السريع حتى قل الزحام، خرجنا من سيارة الأجرة أمام السفارة حيث استقبلتنا إيماءات الترحيب من اثنين من رجال المارينز يرتديان ملابس أنيقة. وداخل فناء السفارة حل صوت الإيقاع المنتظم لتقليم الأشجار محل ضوضاء الشارع. كان رئيس أمي في العمل رجلا أسود بدينا قصير الشعر بدأ الشيب يخط صدغيه. ويتدلى علم الولايات المتحدة من على عصا طويلة بجوار مكتبه. وقد مد إلي يده مصافحا بقوة قائلا: «كيف حالك أيها الشاب؟» كانت تنبعث منه رائحة عطر ما بعد الحلاقة وياقة القميص المشدودة تحيط عنقه بإحكام. ووقفت منتصب القامة وأنا أجيب أسئلته عن تقدمي في الدراسة. وكان الهواء في غرفة المكتب باردا وجافا، مثل هواء قمم الجبال، نسيم نقي عليل.
انتهت مقابلتنا، وأجلستني أمي في المكتبة في حين ذهبت هي لإنجاز بعض الأعمال. انتهيت من قراءة كتب الرسوم المسلية ومن الواجب الدراسي الذي جعلتني أمي أحضره معي قبل أن أصعد على مقعدي لأستعرض الكتب على الأرفف. كانت معظم الكتب لا تثير اهتمام صبي في التاسعة من عمره؛ تقارير البنك الدولي، ودراسات جيولوجية، وخطط خمسية للتنمية. لكني وجدت في أحد الأركان مجموعة من أعداد مجلة «لايف» معروضة بشكل أنيق في غلاف بلاستيكي شفاف. قلبت في الإعلانات الجذابة - شركة جوديير للإطارات، وشركة دودج فيفر، وشركة زينيث لأجهزة التليفزيون («لماذا ليس أفضل الأنواع؟») وحساء كامبل (ممم، شهي!) - ورجال يرتدون بلوفرات بيضاء ذات رقبة طويلة يسكبون الخمر على الثلج ونساء يرتدين جونلات حمراء قصيرة يشاهدن بإعجاب، ولسبب غريب بث هذا في نفسي الطمأنينة. وعندما رأيت صورا إخبارية، حاولت أن أخمن موضوع القصة قبل قراءة التعليق. رأيت صورة لأطفال فرنسيين ينطلقون في شوارع معبدة بالحصى الكبير، كان مشهدا سعيدا يلعبون فيه لعبة الاستغماية بعد يوم من الكتب المدرسية والواجبات اليومية المملة، وكانت ضحكاتهم تعبر عن الحرية. ثم صورة سيدة يابانية تضع برفق فتاة صغيرة عارية في حوض غير عميق ، كان ذلك المشهد حزينا؛ فالفتاة كانت مريضة وساقاها ملتويتان ورأسها ملقى إلى الخلف على صدر الأم، كان الحزن محفورا على ملامح وجه الأم، ربما كانت تلقي باللوم على نفسها ...
وفي النهاية صادفت صورة لرجل عجوز يرتدي نظارة سوداء ومعطف مطر يسير في طريق خاو. لم أستطع تخمين ما الذي تدور حوله هذه الصورة؛ فلم يبد بها أي شيء غير عادي عن الموضوع. وفي الصفحة التالية وجدت صورة أخرى، هذه المرة صورة أقرب ليدي الرجل نفسه. وكانتا شاحبتين شحوبا غير طبيعي، كما لو أن الدماء قد سحبت من الجسد. فعدت إلى الصورة الأولى، وفي تلك اللحظة فقط رأيت أن شعر الرجل المجعد وشفتيه الغليظتين وأنفه العريض الضخم جميعها لها نفس اللون الشاحب المخيف.
وجال في خاطري أن الرجل يعاني مرضا شديدا، أو ربما يكون ضحية التعرض لإشعاع أو ربما يكون أمهق؛ فقد رأيت أحد هؤلاء الناس في الشارع قبل بضعة أيام، وشرحت لي أمي هذه الأشياء. لكن عندما قرأت ما صحب الصورة من تعليق أدركت أنه ليس واحدا من هؤلاء؛ فقد جاء في المقال أن الرجل تلقى علاجا كيميائيا لتفتيح لون بشرته. وقد دفع نقود العملية من أمواله الخاصة. ثم أبدى بعض الندم على محاولة تغيير نفسه إلى رجل أبيض، وكان يشعر بالأسف للنتيجة السيئة التي آلت إليها الأمور. لكن لا يمكن إعادة بشرته إلى ما كانت عليه. آلاف الأشخاص مثله، رجال ونساء سود في أمريكا كانوا سيودون الخضوع لهذا العلاج استجابة للدعاية التي تعدهم بحياة سعيدة إذا أصبحوا من البيض.
Bog aan la aqoon