Riyooyinkii Aabbahay: Sheeko Hiddo iyo Dhaxal
أحلام من أبي: قصة عرق وإرث
Noocyada
في الحقيقة لا أتذكر سوى قصة واحدة تتناول بصراحة موضوع العرق، وعندما كبرت كانت تتكرر كثيرا، كما لو أنها تعبر عن جوهر القصة الأخلاقية التي أصبحت حياة أبي تمثلها. ووفقا للقصة، انضم أبي، بعد ساعات طويلة من المذاكرة، إلى جدي وعدد من الأصدقاء الآخرين في حانة محلية في منطقة وايكيكي. كان الجميع في مزاج مرح يأكلون ويشربون على صوت الجيتار الذي تشتهر به هاواي عندما أعلن رجل أبيض فجأة لساقي الحانة بصوت عال أسمع الجميع أنه لم يكن من المفترض أن يحتسي الخمر الجيد «بجوار زنجي». غرقت الحانة في الصمت واستدار الجميع إلى أبي متوقعين أن يشب شجار . لكن أبي نهض، وسار إلى الرجل وابتسم وبدأ يلقنه درسا عن حماقة التعصب الأعمى ووعد الحلم الأمريكي والحقوق العالمية للإنسان. وكان جدي يقول: «تملك الرجل شعور بالأسف الشديد عندما انتهى باراك من حديثه حتى إنه وضع يده في جيبه وأخرج 100 دولار أعطاها لباراك في الحال، ودفع مقابل جميع المشروبات والمقبلات التي تناولناها لباقي السهرة، بل إيجار سكن والدك لباقي الشهر.»
عندما بلغت سن المراهقة أصبحت أشك في صدق هذه القصة وطرحتها جانبا مع باقي القصص، حتى تلقيت مكالمة هاتفية بعد مرور سنوات كثيرة من رجل أمريكي من أصل ياباني قال إنه كان زميل والدي في هاواي وأنه يدرس في إحدى جامعات الغرب الأوسط. كان الرجل لطيفا للغاية، ويشعر بشيء من الخجل من اندفاعه، وأوضح لي أنه رأى حوارا معي منشورا في الصحيفة المحلية، وأن رؤية اسم والدي جعلت موجة من الذكريات تتدفق إلى ذهنه. ثم في أثناء الحوار الذي دار بيننا أعاد على أسماعي القصة نفسها التي أخبرني إياها جدي عن الرجل الأبيض الذي حاول أن يشتري عفو والدي، وقال لي الرجل عبر الهاتف: «لن أنسى هذا أبدا»، وسمعت في صوته النبرة نفسها التي سمعتها من جدي قبل سنوات كثيرة؛ نبرة عدم التصديق والأمل. ••• «اختلاط الأجناس». مصطلح يبدو قميئا مشوها ينذر بنتيجة بشعة، بالضبط مثل عبارة «ما قبل الحرب الأهلية الأمريكية» أو وصف شخص بأن «ثمن أسلافه من الزنوج»، إنها تستدعي صورا من عصر آخر، عالم بعيد من السياط والنيران، ونباتات المنغولية الميتة وأروقة المعابد المتداعية. ومع ذلك فلم تنجح المحكمة العليا بالولايات المتحدة في إقناع ولاية فيرجينيا أن منعها الزواج بين الأجناس المختلفة خرق للدستور إلا عام 1967م، وهو العام الذي احتفلت فيه بعيد ميلادي السادس، والعام الذي عزف فيه جيمي هندريكس في مونتيري وغنى، وبعد ثلاث سنوات من حصول الدكتور كينج على جائزة نوبل للسلام، وهو وقت كانت أمريكا قد بدأت فيه بالفعل تسأم مطالبة السود بالمساواة، وانتهت على ما يفترض مشكلة التمييز العنصري. أما عام 1960م، العام الذي تزوج فيه والداي، فكان اختلاط الأجناس لا يزال يوصف بأنه جريمة عظمى في أكثر من نصف ولايات الاتحاد. وفي أجزاء عديدة من الجنوب كان من الممكن أن يعلق أبي على شجرة لمجرد أنه ينظر إلى أمي نظرة غير لائقة؛ وفي أكثر مدن الشمال تحضرا كان من الممكن أن تدفع النظرات العدائية والهمسات أية امرأة في مأزق والدتي أن تقوم بعملية إجهاض غير شرعية، أو على الأقل أن تلجأ لدير بعيد يمكن أن يرتب لعملية التبني، وكان من الممكن اعتبار مجرد صورتهما معا مسألة فظيعة وشاذة؛ بمنزلة رد فعال على القلة من المتحررين الأغبياء الذين يدعمون أجندة الحقوق المدنية.
لكن السؤال: هل كنت ستدع ابنتك تتزوج واحدا منهم؟
ورد جداي بالإيجاب على هذا السؤال - بصرف النظر إلى أي مدى كان ذلك على مضض - يظل لغزا ملحا علي. فلم يكن هناك أي شيء في ماضيهما ينبئ بمثل هذه الإجابة، فلا يوجد مؤمنون بالفلسفة المتعالية من نيو إنجلاند أو اشتراكيون متطرفون في شجرة عائلتيهما. صحيح أن كانساس حاربت إلى جانب الاتحاد في الحرب الأهلية، وكان جدي يحب أن يذكرني بأن فروعا مختلفة من شجرة العائلة كانت تضم مناهضين متحمسين للعبودية. وإذا سألت جدتي فإنها ستدير رأسها إلى الجانب لتستعرض أنفها الأعقف الذي يدل - بالإضافة إلى عينيها الشديدتي السواد - على أنها من نسل قبيلة شيروكي (من السكان الأصليين للولايات المتحدة).
لكن صورة قديمة بنية اللون على رف الكتب كانت تعبر بوضوح عن جذورهما. يظهر فيها جدا جدتي، وهما من أصل اسكتلندي وإنجليزي، واقفين متجهمين أمام منزل متداع، يرتديان ملابس من صوف خشن، وعيونهما شبه مغمضة تنظر إلى الحياة الصعبة القاسية التي تمتد أمامهما. وكان لهما وجهان كاللذين يظهران في اللوحة التي رسمها جرانت وود التي حملت اسم القوطي الأمريكي وهم الأقارب الفقراء من نسل البروتستانت الأنجلو ساكسونيين البيض (واسب)، وفي عيونهما يرى المرء الحقائق التي سأعلم فيما بعد أنها وقائع؛ أن كانساس لم تنضم إلى الاتحاد حرة إلا بعد الأحداث العنيفة التي سبقت نشوب الحرب الأهلية في المعركة التي تذوق فيها سيف جون براون طعم الدماء لأول مرة، وأنه في حين كان أحد أجدادي الأوائل، وهو كريستوفر كولومبس كلارك، جنديا في جيش الاتحاد وحاصلا على أوسمة، كانت الشائعات تطارد أم زوجته أنها تمت بصلة قرابة من الدرجة الثانية لجيفرسون دافيس، رئيس الولايات الكونفدرالية التي انشقت عن الاتحاد، ومع أن أحد أجدادها الأوائل كان من قبيلة شيروكي فقد كان ذلك النسل مصدرا للخزي الشديد لوالدة جدتي، وكلما ذكر أحدهم هذا الأمر شحب وجهها، وتمنت أن تحمل هذا السر معها إلى قبرها.
هذا هو العالم الذي نشأ فيه جداي، وسط الدولة بالضبط المحاط بالأرض من جميع الاتجاهات، وهو مكان ترتبط فيه اللياقة وقوة التحمل وروح الريادة ارتباطا وثيقا بالامتثال لقواعد المجتمع، والشك واحتمال التعرض للقسوة التي لا يطرف لها جفن. لقد نشأ أحدهما على بعد أقل من 20 ميلا من الآخر؛ فجدتي نشأت في أوجوستا وجدي نشأ في إلدورادو وهما مدينتان أصغر من أن تظهرا بحروف بارزة على خريطة للطريق، ورسمت مرحلة الطفولة - التي كانا يحبان أن يقصاها كي أستفيد منها - بلدة صغيرة، كما رسمت أمريكا أثناء عصر الكساد بجميع مظاهر مجدها البريء؛ الاستعراض العسكري في الرابع من يوليو وعروض الأفلام التي كانت تقام على جوانب الحظائر، واليراعات الموضوعة في برطمان، والمذاق الحلو كالتفاح للطماطم الناضجة، والعواصف الترابية والثلجية، والفصول المكتظة بأطفال المزارع الذين لا يبدلون أبدا ملابسهم الداخلية الصوفية التي تلتصق بأجسادهم منذ بداية الشتاء، وتنبعث منهم رائحة كريهة مثل الخنازير مع مرور الشهور.
حتى أزمة انهيار المصارف ونزع ملكية المزارع بدت أمرا رومانسيا بعد أن غزلته ذاكرة جدي، وعندئذ كان الجميع يشترك في الشدائد التي تعد وسيلة عظيمة للمساواة بين الناس والتقريب بينهم. لذا كان على المرء أن يستمع بحرص ليدرك الترتيب الهرمي الدقيق والقوانين غير المعلنة التي كانت تحكم حياتهم في بدايتها، والتمييز بين الأشخاص الذين لا يملكون الكثير ويعيشون في مناطق نائية. لقد كان الأمر يتعلق بشيء يطلق عليه الاحترام؛ فقد كان هناك أناس محترمون وآخرون لا يحظون بقدر كبير من الاحترام، ومع أن المرء لا يجب أن يكون ثريا لينعم باحترام الناس؛ ففي الواقع عليه أن يبذل كثيرا من الجهد لينال هذا الاحترام إن لم يكن ثريا.
كانت عائلة جدتي محترمة. فكان والدها يعمل بوظيفة ثابتة طوال فترة الكساد، فيدير عقود تأجير الأراضي التي سينقب فيها عن البترول لشركة ستاندرد أويل. وكانت والدتها قبل أن تنجب تدرس في مدارس إعداد المعلمين. كانت الأسرة تحافظ على منزلها نظيفا، وتطلب كتبا من التي ترد في قائمة «جريت بوكس» عبر البريد، وتقرأ الكتاب المقدس ولكنها بصفة عامة كانت تتجنب الذهاب إلى الخيام التي تعقد بها اجتماعات النهضة المسيحية، وتفضل شكلا قويما من تعاليم الكنيسة الميثودية التي تقدر العقل على العاطفة والاعتدال على كليهما.
أما وضع جدي فقد كان أصعب. ولم يعرف أحد لماذا؛ فلم يكن جداه اللذان ربياه هو وشقيقه الأكبر ثريين، لكنهما كانا مهذبين ومعمدانيين يخافان الله، وينفقان على العائلة من أجرهما كعاملين في منصات النفط بالقرب من مدينة ويتشيتا. ومع ذلك فقد تحول جدي بطريقة ما إلى شخص طائش إلى حد ما. وأرجع بعض الجيران سبب ذلك إلى انتحار والدته؛ فقد كان ستانلي - الذي لم يتجاوز الثامنة - هو الذي وجد جثتها. وكان آخرون أقل رفقا به يهزون رءوسهم ويقولون إن الولد يحذو حذو والده زير النساء، ويرون أن هذا هو السبب الأكيد لمصير والدته التعس.
ومهما كان السبب، فعلى ما يبدو كان جدي يستحق السمعة التي عرف بها. ففي سن الخامسة عشرة، طرد من المدرسة الثانوية لأنه لكم الناظر في أنفه. وفي السنوات الثلاث التالية كان ينفق على نفسه من أعمال مختلفة؛ يتنقل بين عربات القطارات المتجهة إلى شيكاغو ثم كاليفورنيا ثم يعود أدراجه مرة أخرى، وأثناء هذا التنقل ينخرط في الهراء ولعب الورق وإقامة علاقات مع النساء. وكما كان يحب أن يقول، فإنه كان يعرف طريقه جيدا في ويتشيتا حيث انتقلت عائلته وعائلة جدتي في ذلك الوقت، وهي من جانبها لا تناقض ما يقوله، وبالطبع صدق والدا جدتي القصص التي سمعاها عن الشاب واستنكرا علاقته بها من البداية. وأول مرة أحضرت فيها جدتي جدي إلى منزلها ليقابل أسرتها ألقى والدها نظرة واحدة على شعر جدي الأسود الأملس الممشط إلى الخلف، ثم ابتسم ابتسامة الرجل الحكيم التي يرسمها دائما على شفتيه وعبر عن تقييمه الصريح: «إنه يشبه المتبخترين من الإيطاليين.»
Bog aan la aqoon