وقال: إن كل واحد من الناس إذا مات، فإن ملكه الموكل به خاصة وهو حى يروم أن يسوقه إلى موضع من المواضع المذكورة فيه، بحيث يحوز المجتمعون فيه على ما لهم وعلى ما عليهم. ثم يقودهم إلى الآخرة قائد من الملائكة، مأمورا بأن يمضى بمن هناك إلى هاهناك. فإذا جوزوا هناك بما يستحقون المجازاة به، ولبثوا بالمكان المدة 〈و〉الزمان الذى يجب أن يلبثوها فيه، ساقهم سائق آخر من الملائكة فردهم إلى ما هناك فى أدوار من الزمان كثيرة، بعيدة المدة، وأخلق بمسير الأنفس ألا يكون كما ذكر أسخيلوس عن طيلافس، فإن ذاك قال: أيها الملك، إنما تسير الأنفس فى طريق واحد مفرد. قال سقراط: لكن الصحيح فيها تشعب فى طرق كثيرة مختلفة. ونحن نقول ذلك على حسب ما يستدل به من الذبائح والأشياء المفترضة فى الشريعة أن نفعلها، فالنفس الذاهبة الكيسة تنقاد لسائقها ولا تجهل ما هى فيه. وأما التى هى مغراة بالشهوات الجسدانية، فإنها، كما قلنا، تبقى مدة من الزمان طويلة تجول متحيرة، تجاذب مجاذبة شديدة، وتلقى أنواعا من الجهد كثيرة. فبالعسر والكف تمضى منقادة للملك المأمور بسياقتها. فإذا انتهت إلى الموضع الذى فيه الأنفس الأخر غيرها،...أما إذا كانت دنسة، فقد فعلت أفعالا دنسة، إما من القتل جورا وظلما، وإما من غيرها إلى ما شابهه، ومما هو من أنفس هى نظائرها، فإن كل ملك قد يهرب منها ويزوغ عنها، ولا يشاء أن يقارنها فى طريق ولا يقودها، وتبقى تتية وهى على غاية الحيرة، إلى أن تنقضى أطوار من الزمان، وعند انقضائها، تأتى بها الضرورة إلى المسكن الذى هو أولى بها.
ثم ذكر فلاطن فى هذا الكتاب صفة أراض نضرة، منبتة أنواعا من الأشجار الطيبة الروائح، الحسنة المنظر، الرفيعة القدر، وبقاع كثيرة الأنهار الكدرة التى تحوى الطين ذا الروائح الكريهة، والألوان الوعرة، تهوى إلى قعر الأرض، ونيران تسمى الجحيم، وذكر أن الأشرار فيها يعذبون، والأخيار فى تلك يخلدون.
وهذا من كتب فلاطن المشهورة، وإنما اقتصصت ما اقتصصته منها، ليسمعه هذا السيئ العقل، الردئ الحظ، المستخف بشرعه، المباين أهل العقول والأديان بكفره، فيرجع عن جهله وعداوته . وأنا أزيده من أقاويل بقراط وجالينوس ما يزده بيانا.
قال بقراط فى كتاب كون الجنين مقرا بالله تعالى وتكوينه للخلائق قصدا: فإذا امتلأ من الريح، صير الله للريح طريقا فى وسط المنى. وقال أيضا فى كتاب حبل على حبل: المولودين فى سبعة أشهر: فكثير منهم يحيون، لأن الزمان يخلق الله فيه الجنين فى الرحم... وقال أيضا فى كتابه الذى سماه كتاب الوصايا، قال: وأى امرئ أعطاه الله علما يشفى به المريض، وحباه بذلك...وقال فى كتابه فى الإيمان والعهود: إنى أقسم بالله، رب الحياة والموت، وواهب الصحة، وأقسم بأسقلبيوس، وبخالق الشفاء وكل علاج...وأسقلبيوس، هو جده القديم فى الطب. وقال أيضا: وأقسم بأولياء الله من الرجال والنساء جميعا.
وأما جالينوس، فإنه قال فى تفسيره لهذا الكتاب، فى تفسير الفصل الأول منه قال: فأما نحن، فالأصوب عندنا والأولى أن نقول إن الله جل وعز خلق صناعة الطب، وألهمها الناس، وذلك أنه لا يمكن فى مثل هذا العلم الجليل أن يدركه عقل الإنسان، لكن الله هو الخالق الذى هو بالحقيقة، فقد يمكنه خلقه. وذلك أنك لا تجد الطب أخس من الفلسفة التى يرون أن استخراجها كان من عند الله تعالى بإلهام منه. وقال جالينوس فى تفسيره للفصل الثانى من هذا الكتاب، قال: بعد أن أحلف بقراط من يتعلم صناعة الطب بالله تبارك وتعالى، وبمن كان أول من استخرج صناعة الطب، عاد فأحلفه بأولياء الله، من كان منهم يونانيا، ومن كان منهم من غير اليونانيين، ليكون كل واحد ممن يحلف، إذا حلف بأولياء الله من عشيرته، حفظ ما يحلف بسببه حفظا بالغا.
Bogga 9