Buugga Dhaqanka Dhakhtarka
كتاب أدب الطبيب
Noocyada
القول فى تغايير الصنائع والأعمال للأبدان
وإذا كانت أعمال الناس، وصنائعهم، لها من القوة فى إحالة الأبدان، ونقلها من كيفيات إلى أضدادها، كالمزاج الحار يصير باردا، والبارد حارا، والرطب يابسا، واليابس رطبا، واللين صلبا، والصلب لينا، وغير هذه من المتضادات، فلذلك يلزم الطبيب أن يعلم ما تفعله كل صناعة من الصنائع فى مزاج كل واحد من الناس، الصحيح منهم والمريض، ليحفظ الصحيح بما شابهه، ويشفى المريض بما ضاده.
فالصنائع التى تعانى النار والشمس مثلا، تكسب الأمزجة الحرارة، كصنائع السباكين، والحدادين، والزجاجين، والكلاسين، وأشباه هذه من المهن. فإن هذه، ونظائرها، تفعل فى الأبدان، بحرارة النار، وقربهم منها، وبالبعث فى معاناتها. وأضداد هذه الصنائع 〈تؤدى إلى〉 تبريد الأبدان، كالصنائع التى تعانى الماء، كالغواصين والملاحين والصيادين من الماء، ونظائر هذه الصنائع. فأما الصنائع التى تيبس الأبدان، فهى الكثيرة الكد والتعب، وخاصة فى الشمس، كالبنائين، وقطاعى الحجارة، والنجارين، والمصارعين، والنقالين، ونظائر هذه. فأما التى ترطب الأبدان، فذوات الدعة، وقلة التعب، والتى تتوفر فيها اللذات على البدن، كمهنة العطر، ومهنة الموسيقى، والمدمنين على الحمامات، ونظائر هذه.
وينبغى للطبيب أن يعنى بمعرفة أمر الصنائع ذوات الكيفية الرديئة المضرة بالأبدان، وما نوع الضرر الداخل منها على جملة البدن، وعلى عضو عضو من أعضائه، كالصنائع التى تفوح منها الروائح الرديئة، مثل الدباغة، وتنقية طرق المياه من الأثفال، فإن هذه وما ماثلها تضر بالحواس، وبالدماغ، وخاصة إذا اتصلت وتتابعت. وكالغربلة للحبوب، ودق الكتان ومشطه، وعمل الصابون، والصنائع التى يعانى أربابها الدخان كثيرا. فإن هذه، وما أشبهها، كثيرا ما تضر بالصدر، والرئة، وتكسب ضيق النفس. وكالذى يعرض أيضا للنقالين، والفيوح فى العروق التى تسمى المدمية وما يعرض لأمثال هؤلاء من أوجاع الأوراد، وعرق النسا، وغير ذلك من الأمراض المزمنة الرديئة.
Bogga 61